والله انه لولا تفرق الناس على صاحبك لقد نهض إليك. فقال لنا: ما استغنى عن رأيكم ومشورتكم، ومتى احتج إلى ذلك منكم أدعكم. ان هؤلاء الذين تذكرون تفرقهم على صاحبهم، واختلاف أهوائهم، لم يبلغ ذلك عندي بهم ان أكون أطمع في استئصالهم واجتياحهم، وان أسير إليهم مخاطرا بجندي، لا أدري على تكون الدائرة أم لي!
فإياكم واستبطائي، فإني آخذ بهم في وجه هو أرفق بكم، وأبلغ في هلكتهم.
قد شننت عليهم الغارات من كل جانب، فخيلي مرة بالجزيرة، ومرة بالحجاز، قد فتح الله فيما بين ذلك مصر، فأعز بفتحها ولينا، وأذل به عدونا، فأشراف أهل العراق لما يرون من حسن صنيع الله لنا، يأتوننا على قلائصهم في كل أيام، وهذا مما يزيدكم الله به وينقصهم، ويقويكم ويضعفهم، ويعزكم ويذلهم، فاصبروا ولا تعجلوا، فإني لو رأيت فرصتي لاهتبلتها.
فخرجنا من عنده ونحن نعرف الفصل فيما ذكر، فجلسنا ناحية، وبعث معاوية عند خروجنا من عنده إلى بسر بن لابن أبي أرطاة، فبعثه في ثلاثة آلاف، وقال: سر حتى تمر بالمدينة، فاطرد الناس، واخف من مررت به، وانهب أموال كل من أصبت له مالا، ممن لم يكن دخل في طاعتنا، فإذا دخلت المدينة، فأرهم انك تريد أنفسهم، وأخبرهم انه لا براءة لهم عندك ولا عذر، حتى إذا ظنوا انك موقع بهم فاكفف عنهم، ثم سر حتى تدخل مكة، ولا تعرض فيها لأحد، وارهب الناس عنك فيما بين المدينة ومكة، واجعلها شردا، حتى تأتى صنعاء والجند، فان لنا بهما شيعة، وقد جاءني كتابهم..
فخرج بسر في ذلك البعث، حتى أتى دير مروان، فعرضهم فسقط منهم أربعمائة، فمضى في الفين وستمائة، فقال الوليد بن عقبة: أشرنا على معاوية برأينا ان يسير