قد هموا بإثارة الفتنة، وقد سيرتهم إليك، فانههم، فإن آنست منهم رشدا فأحسن إليهم، وارددهم إلى بلادهم.
فلما قدموا على معاوية - وكانوا: الأشتر، ومالك بن كعب الأرحبي، والأسود بن يزيد النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، وصعصعة بن صوحان العبدي، وغيرهم - جمعهم يوما، وقال لهم: إنكم قوم من العرب، ذوو أسنان وألسنة، وقد أدركتم بالاسلام شرفا، وغلبتم الأمم، وحويتم مواريثهم، وقد بلغني أنكم ذممتم قريشا، ونقمتم على الولاة فيها، ولولا قريش لكنتم أذلة، إن أئمتكم لكم جنة، فلا تفرقوا عن جنتكم، إن أئمتكم ليصبرون لكم على الجور، ويحتملون منكم (1) العقاب، والله لتنتهن أو ليبتلينكم الله بمن يسومكم الخسف، ولا يحمدكم على الصبر، ثم تكونون شركاءهم فيما جررتم على الرعية في حياتكم، وبعد وفاتكم.
فقال له صعصعة بن صوحان: أما قريش فإنها لم تكن أكثر العرب ولا أمنعها في الجاهلية، وإن غيرها من العرب لأكثر منها كان وامنع.
فقال معاوية: إنك لخطيب القوم، ولا أرى لك عقلا، وقد عرفتكم الآن، وعلمت أن الذي أغراكم قلة العقول. أعظم عليكم أمر الاسلام فتذكرني الجاهلية! أخزى الله قوما عظموا أمركم! إفقهوا عني ولا أظنكم تفقهون، إن قريشا لم تعز في جاهلية ولا إسلام إلا بالله وحده، لم تكن بأكثر العرب ولا أشدها، ولكنهم كانوا أكرمهم أحسابا، وأمحضهم (2) أنسابا، وأكملهم مروءة، ولم يمتنعوا في الجاهلية - والناس يأكل بعضهم بعضا - إلا بالله، فبوأهم حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم. هل تعرفون عربا أو عجما، أو سودا أو حمرا إلا وقد أصابهم الدهر في بلدهم وحرمهم، إلا ما كان من قريش، فإنه لم يردهم أحد من الناس بكيد إلا جعل الله خده الأسفل، حتى أراد الله تعالى أن يستنقذ من أكرمه باتباع دينه من هوان الدنيا، وسوء مرد الآخرة، فارتضى لذلك خير