ضلالا بعيدا، والله ما أحب أن ما مضى من الدنيا بعمامتي هذه، ولما بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء.
وقال مالك بن دينار: غدوت إلى الجمعة، فجلست قريبا من المنبر، فصعد الحجاج، فسمعته يقول: امرؤ زور عمله، امرؤ حاسب نفسه، امرؤ فكر فيما يقرؤه في صحيفته، ويراه في ميزانه، امرؤ كان عند قلبه زاجر، وعند همه آمر، امرؤ أخذ بعنان قلبه، كما يأخذ الرجل بخطام جمله، فإن قاده إلى طاعة الله تبعه، وإن قاده إلى معصية الله كفه، إننا والله ما خلقنا للفناء، وإنما خلقنا للبقاء، وإنما ننتقل من دار إلى دار.
وخطب يوما، فقال: إن الله أمرنا بطلب الآخرة، وكفانا مئونة الدنيا، فليته كفانا مئونة الآخرة، وأمرنا بطلب الدنيا. فقال الحسن: ضالة المؤمن خرجت من قلب المنافق.
ومن الكلام المنسوب إليه - وأكثر الناس يروونه عن أمير المؤمنين ع: أيها الناس، اقدعوا هذه الأنفس، فإنها أسأل شئ إذا أعطيت، وأبخل لشئ إذا سئلت، فرحم الله امرأ جعل لنفسه خطاما وزماما، فقادها بخطامها إلى طاعة الله، وعطفها بزمامها عن معصية الله، فإني رأيت الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله.
ومن كلامه: إن امرأ أتت عليه ساعة من عمره لم يذكر فيها ربه، ويستغفر من ذنبه، ويفكر في معاده، لجدير أن يطول حزنه، ويتضاعف أسفه. إن الله كتب على الدنيا الفناء، وعلى الآخرة البقاء، فلا بقاء لما كتب عليه الفناء، ولا فناء لما كتب عليه البقاء، فلا يغرنكم شاهد الدنيا عن غائب الآخرة، واقهروا طول الامل بقصر الاجل.