وإذن فليس في هذا اللون الوعظي تشويه للحياة الدنيا، وإبعاد عنها، وذم لها، إذا تناولها الانسان كما ينبغي أن يتناولها، فلم يسرف فيها إسرافا يحمله على الظلم، وينقلب به إلى حيوان خطر.
وإنما هو كبقية الألوان التي قدمنا فيما سبق، ينصح فيه بالنظر إلى الدنيا كما هي لا كما تصورها لنا أوهامنا وأحلامنا، فإذا ما تم لنا فهمها دعانا إلى العمل فيها على هدى هذا الفهم. وقد رأينا أن موقفه من الحياة هو الموقف الصحيح الذي يدعو إليه الاسلام، أما الوعاظ الذين أخذوا كلامه على ظاهره، وأما ناشئة الجيل التي انفعلت بايحاءات غربية، فهم جميعا مخطئون في فهمهم للقسم الوعظي من نهج البلاغة، لأنهم لم يلقوا بالا إلى المثل الاعلى في الاسلام الذي أراد الامام أصحابه على الصعود إليه، ولم يلقوا بالا إلى الواقع الاجتماعي الذي حمل الامام على أن يفيض في مواعظه هذه الإفاضة ويعرض فيها هذه الألوان. ولم يعرفوا النظرة الواقعية الاسلامية إلى الحياة الدنيا، النظرة التي تعبر عن نظرة الامام إلى الحياة والانسان.
* * * وفي خاتمة هذه الدراسة نقدم بعض نماذج هذا اللون الوعظي الذي أدرنا حوله هذا الحديث.
قال عليه السلام:
(عباد الله أوصيكم بالرفض لهذه الدنيا التاركة لكم وإن لم تحبوا تركها، والمبلية لأجسامكم وإن كنتم تحبون تجديدها، فإنما مثلكم ومثلها