دراسات في نهج البلاغة - محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٢٥٦
هذا هو الزهد الذي يدعو إليه الإمام عليه السلام في هذا القسم الوعظي من كلامه، وهو موقف يوازن بين حاجات الانسان الجسمية والروحية، وهو موقف يجعل من الانسان كائنا اجتماعيا ذا جدوى لمجتمعه، ينفعه ويغنيه.
ويجب أن نعي أن المتهالك على الدنيا، الفاقد للحس الأخلاقي، المجرد من الانسانية، غير الشاكر، وبعبارة وجيزة غير الزاهد، هو خطر على المجتمع وعالة عليه أكثر من خطر ذلك الزاهد الذي فهم الزهد فهما خاطئا فاتخذ من الدنيا موقفا سلبيا مرضيا.
لان غاية صنيع هذا انه لا يعمل، وانه يعيش عالة على أهله وذويه، أما ذاك فعمله انه يمتص دماء الفقراء بنشاطه الذي لا يعود على هؤلاء الفقراء في صورة خدمات اجتماعية.
ولا نريد أن ننكر أن هذا اللون من وعظ الامام يظهر الدنيا في صورة كالحة منفرة إلى حد بعيد، ولكن هذا لا يدل على رأي الامام في الدنيا بقدر ما يدل على أن معاصريه الذين توجه إليهم بهذا الخطاب كانوا مغرقين في الدنيا إغراقا خطرا دفعهم إلى الخيانة: خيانة مجتمعهم وكيانهم السياسي، ودفعهم إلى التناحر فيما بينهم، ودفعهم إلى عبادة أصنام اللحم: رؤساء القبائل والزعماء، فإنسان يمارس هذا اللون من الحياة لا يمكن انتشاله من واقعه لحظة يتملى فيها مصيره بعين بصيرة إلا بهذا اللون من التعبير والتصوير، وقديما قال علماء البلاغة: ان المخاطب كلما ازداد إغراقا في الانكار حسن من المتكلم أن يمعن في تأكيد ما يقول.
وهؤلاء الذين كان الامام يتوجه بخطابه إليهم كانوا على هذا الحال أو قريب منه، فقد بلغ من تزييفهم لواقع حياتهم أن خانوا مجتمعهم فتمالأوا مع معاوية وباعوه ضمائرهم بالمال، وأشعلوا في هذا المجتمع روح القبلية التي دفعت بهيئاته إلى أن يقف كل منها موقفا تناحريا ذا عواقب وخيمة.
(٢٥٦)
مفاتيح البحث: الزهد (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 مقدمة الطبعة الثانية 5
2 مقدمة الطبعة الأولى 9
3 المجتمع والطبقات الاجتماعية 13
4 فكرة المجتمع في نهج البلاغة 15
5 الطبقة الاجتماعية 21
6 القيمة العليا في الإسلام: التقوى والتقسيم الطبقي 29
7 مدخل إلى دراسة الطبقات في نهج البلاغة 45
8 العسكريون 51
9 القضاة 60
10 الولاة 68
11 الكتاب 75
12 الزراع 83
13 التجار والصناع 94
14 العمال ومن لا يستطيعون عملا 102
15 المجتمع القبلي، موقف الإمام من الروح القبلية 108
16 الحاكم 121
17 الحكم ضرورة لكل مجتمع 123
18 من شروط الحاكم 126
19 طبيعة الحكم عند الإمام، وعلاقة الحاكم بالشعب 129
20 حقوق الرعية على الحاكم 137
21 طبيعة الحق، وحقوق الحاكم على الرعية 140
22 التعاون بين الحكم والشعب 144
23 المغيبات 147
24 موقف الرفض للمغيبات 149
25 فلسفة موقف الرفض: نزعة التجريب: عرض ومناقشة 151
26 اهتمام العلم الحديث بطاقات الإنسان الخفية 157
27 التعليل العلمي لظاهرة المغيبات 161
28 المغيبات في نهج البلاغة 166
29 مغيبات أخرى ذكرها ابن أبي الحديد 185
30 الوعظ 197
31 تمهيد: أسلوب الوعاظ التقليديين الطريقة الصحيحة لدراسة النصوص 199
32 المثل الأعلى للحياة في الإسلام، والواقع الاجتماعي والسياسي حين تولى الإمام علي الحكم 202
33 إصلاحات الإمام علي وردود الفعل ضدها 209
34 النظرة الواقعية إلى الحياة في الإسلام والخلق العربي 221
35 موقف الإمام من العمل للدنيا موقفة من الفقر 229
36 اتباع الهوى وطول الأمل: ما يعني بهما الإمام؟ وما آثارهما في حياة الإنسان 236
37 الموعظة بالتاريخ وظيفة التاريخ 241
38 دعوة إلى التوازن بين الدنيا والآخرة 245
39 تناقض ظاهري في موقف الإمام معني الزهد وعناصره 251
40 نماذج من وعظ الإمام بتقلب الدنيا 257