دراسات في نهج البلاغة - محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٢٥٨
كسفر (1) سلكوا سبيلا فكأنهم قد قطعوه، وأموا علما (2) فكأنهم قد بلغوه، وكم عسى المجري إلى الغاية أن يجري إليها حتى يبلغها (3)؟
وما عسى أن يكون بقاء من له يوم لا يعدوه، وطالب حثيث يحدوه في الدنيا حتى يفارقها؟
فلا تنافسوا في عز الدنيا وفخرها، ولا تعجبوا بزينتها ونعيمها، ولا تجزعوا من ضرائها وبؤسها، فإن عزها وفخرها إلى انقطاع، وإن زينتها ونعيمها إلى زوال، وضرائها وبؤسها إلى نفاد (4)، وكل مدة فيها إلى انتهاء، وكل حي فيها إلى فناء، أوليس لكم في آثار الأولين مزدجر (5)؟ وفي آبائكم الماضين تبصرة ومعتبر ان كنتم تعقلون؟
أولم تروا إلى الماضين منكم لا يرجعون؟ والى الخلف الباقين لا يبقون؟ أو لستم ترون أهل الدنيا يصبحون ويمسون على أحوال شتى: فميت يبكى، وآخر يعزى، وصريع مبتلى، وعائد يعود، وآخر بنفسه يجود (6)، وطالب للدنيا

(١) السفر - بفتح، فسكون - جماعة المسافرين، أي أن الانسان في هذه الحياة كالمسافر في مسافة الطريق، فإنه يصل إلى نهاية طريقه، والانسان لابد واصل إلى نهاية حياته.
(٢) أموا: قصدوا.
(٣) المجري: الذي يجري فرسه إلى غاية معلومة، فإنه مهما طال جريه لابد واصل في النهاية إلى غايته.
(4) نفاد: فناء.
(5) مزدجر: مكان للانزجار والارتداع.
(6) من (جاد (؟) بنفسه) إذا قارب أن يقضي نحبه، كأنه يسخو بها ويسلمها إلى خالقها.
(٢٥٨)
مفاتيح البحث: الجود (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 » »»
الفهرست