الدنيا بين موقف المتهالكين عليها على نحو جنوني وبين موقف المباعدين لها على نحو مرضي.
وقال عليه السلام:
(الزهد كلمة بين كلمتين من القرآن: قال الله سبحانه: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم، ولا تفرحوا بما أتاكم) (1)، ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه) (2).
فأولئك الذين يملك عليهم ألبابهم فوات شئ كانوا يترقبون الحصول عليه، لا يؤمن منهم أن يقارفوا الاثم في سبيل الحصول عليه، وهؤلاء الذين تمتلئ أنفسهم بتصورات هذا الفائت لا يعود لديهم من فراغ النفس وصفاء الضمير ما يتيح لهم التسامي إلى دنيا أرحب وأنبل وأحفل بمثل الخير.
وهؤلاء الذين يأسون على ما فاتهم، ويفرحون بما أتاهم لا يستطيعون أن يشكروا الله على نعمته بأفعالهم، فليسوا، والحال هذه، ذوي فائدة للمجتمع.
إن الزاهدين هم الذين ينظرون إلى الأمور نظرة واقعية، فلا يملك عليهم ألبابهم فوات ما فاتهم، ولا يعمي بصائرهم عن واقع حياتهم فرحهم بما أوتوا.
هذا هو الزهد الذي دعا إليه الامام أصحابه وأرادهم عليه، فهل فيه تنفير عن الدنيا؟ اللهم لا، وإنما هو كما قلنا الموقف الطبيعي بين موقف المتهالكين على الدنيا على نحو جنوني، والمباعدين لها على نحو مرضي.