مقدمة الطبعة الأولى الإرث الثقافي، وليس الحضارة المادية، هو أثمن ما خلفه الانسان للانسان.
فبالثقافة يستكمل الانسان وجوده الحق، لأنها تمده بالمعنى الذي لا يكون لولاه سوى وجود تافه في ميزان القيم والاقدار.
وليست الحضارة المادية، مهما عظمت سوى حسنة صغيرة من حسنات الثقافة الانسانية إذا قيست بالآثار المعنوية لهذه الثقافة.
ولا تفوتنا ملاحظة أن أغلب الآثار الثقافية وقتية وليست خالدة، وتخص بعض الشعوب دون أن تكون للانسانية كلها، وذلك لأنها تصدر بتأثير عوامل اجتماعية معينة فتلبي حاجات عقلية واجتماعية معينة، ثم تفقد قيمتها عندما ينتفي العامل الذي أثارها، ولا يكون لها من الأصالة والعمق والعمومية ما يهئ لها أن تتعدى محيطها الخاص إلى محيط أوسع.
وإلى جانب هذا الإرث الثقافي الموضعي الوقتي تختص كل أمة من الأمم بآثار قليلة تعتبرها خالدة عندها، لا ينال من جدتها الزمان مهما طال، لان البحث فيها يتصل بما يدخل في الكيان الصميمي لتلك الأمة، فهي لذلك تعتبر عند هذه الأمة خالدة ما دام لها كيان.
وأقل منها تلك الآثار التي تعتبر ملكا للانسانية كلها في كل زمان.
فلئن كان القسم الأعظم من الثقافة الانسانية محدودا بحدود الزمان والمكان.