لعل فكرة المجتمع من أقدم الفكر التي اهتدى إليها الانسان - الفكر التي لعبت دورا خطيرا في تطوير الحياة الانسانية، ودفعت بالانسان إلى القيام بتجارب كثيرة كانت، على ما فيها من أخطاء وحماقات، تربة خصبة لتجارب أعظم أصالة، وأشد إحكاما، وأقرب إلى شريعة الصواب من سابقتها.
وكانت أيضا حافزا إلى القيام بمحاولات جديدة تهدف إلى تطوير الحياة الاجتماعية وارسائها على ركائز تضمن لها استقرارها ونموها.
ودخلت هذه الفكرة دورها الذهبي - ولا تزال فيه حتى اليوم - يوم جعلها العقل العلمي ميدانا لبحثه، فخرجت، بهذا، عن أن تكون ميدانا لتجارب عشواء، أو ميدانا لتطبيقات السياسيين الضيقي الأفق، الناظرين إلى قريب، المبتغين النفع العاجل من جل ما يصنعون - خرجت عن أن تكون ميدانا لمثل هذه التجارب الفجة لتصير ميدانا للنظر العلمي المتزن الرصين.
وصار من هم الفيلسوف - وهو رجل المعرفة الأول الذي عرفته البشرية بعد النبي - ان يتعرف على آليات الحياة الاجتماعية وقوانينها، ويدرس اتجاهاتها، ويصنف هذه القوانين والاتجاهات.
خصها بمزيد من العناية سقراط وأرسطو وأفلاطون، هذه القمم الشامخة في الفكر الفلسفي، وتعاقب بعدهم فلاسفة كثيرون لم يغفلوا هذه الفكرة ولم