يحسب بعض المثقفين من ناشئة هذا الجيل أن الاسلام يدعو إلى التنكر للدنيا والتزهيد فيها واعتبارها أذى كبيرا لا يجمل بالمرء أن يصيب منه قليلا ولا كثيرا.
والكتب الموضوعة للتبشير بالحضارة الغربية، عدوة كل دعوة روحية، تساعد على تركيز هذه الفكرة عن الاسلام في نفوس هؤلاء. وتسهم إسهاما كبيرا في تركيزها أيضا البرامج التعليمية المدخولة التي تهمل دور الاسلام العظيم في إنقاذ العالم وتقدمه، وإن عرضته فإنما تعرض إسلاما مشوها خاليا من الحياة.
كل هذا جعل هذه الناشئة تنظر إلى الاسلام نظر ذعر وتخوف مبعثهما الجهل لا العلم، والعمى لا البصر.
وتوجه هذه النظرة أيضا إلى التراث الاسلامي في ميادين الفلسفة والأخلاق والأدب.
ونهج البلاغة من جملة هذا التراث الذي ينظر إليه على هذا النحو.
فهذا الكتاب، عند ناشئة الجيل، يحتوي على طائفة من الخطب قيلت في التزهيد بالدنيا والتنفير منها، والنعي على المتمسكين بها، والآخذين بنصيب من مباهجها وأفراحها، وهو لذلك كتاب لا يلائم روح عصرنا هذا، لأنه يشل في الانسان رغبته في العمل ويعطل حس الحياة فيه، ويدفعه إلى القناعة بحياة ذليلة واهنة مظلمة شوهاء.