(7) والقسم الذي يعظ فيه الإمام عليه السلام بتقلب الدنيا وعدم قرارها على حال هو أشد الألوان الوعظية، فيما يبدو، حلوكة وتشاؤما، إنه يصف فيه الدنيا بالتقلب، والمكر، والخداع. ويشبهها بالحية السامة، ويدعو إلى الزهد فيها، والانقطاع عنها.
ويلوح، في بادي النظر، أن الامام في هذا القسم يدعو إلى ترك العمل للحياة، ويدعو إلى الاستراحة إلى خيالات الموت والقبر، فيشل في الانسان الرغبة في الحياة والاقبال عليها، ويقعد به عن الجهاد من أجلها، ويحيله إلى إنسان متذائب واهن القوى.
ولكن قليلا من التأمل والامعان كفيل بأن يبين خطأ هذا الرأي.
فقد سبق منا أن تعرفنا على رأيه في الدنيا والعمل لها، فرأيناه يحبذ العمل للدنيا والاقبال عليها، والتمتع بطيباتها، شريطة ألا يقعد به ذلك عن العمل لآخرته والاستعداد لها، وشريطة ألا ينقلب به العمل للدنيا إلى وحش يصيب مجتمعه بالضرر في سبيل أن يزيد ثرائه، ورأيناه لا يشجع الانقطاع عن الدنيا والاستغراق في العمل للآخرة وحدها، ويعتبر ذلك أنانية لا يجمل بالرجل الكامل أن يمارسها، يتبين ذلك كله في موقفه من العلاء بن زياد وأخيه عاصم.