برأيه هلك، وإن عيسى بن مريم (عليه السلام) قال: داويت المرضى فشفيتهم بإذن الله، وأبرأت الأكمه والأبرص بإذن الله، وعالجت الموتى فأحييتهم بإذن الله، وعالجت الأحمق فلم أقدر على إصلاحه.
فقيل: يا روح الله، وما الأحمق؟
قال: المعجب برأيه ونفسه، الذي يرى الفضل كله له لا عليه، ويوجب الحق كله لنفسه ولا يوجب عليها حقا، فذاك الأحمق الذي لا حيلة في مداواته " (1).
يتضح في ضوء هذا التفسير أن الأحمق الحقيقي ليس المصاب بعاهة في دماغه ويعجز عن إدراك الأمور بسبب مرض جسدي، لأن مثل هذا المريض حتى وإن استعصى علاجه بالطرق الطبيعية للمداواة، يمكن معالجته بطرق الإعجاز.
وإنما الأحمق الحقيقي هو من يتمتع بدماغ سالم، إلا أن مرض العجب والإحساس بأنه يعلم هو الذي يفسد عليه عقله، ويحل موته العقلي نتيجة عدم استجابته لدعوة العقل العملي. وميت كهذا يستحيل علاجه، وحتى النبي عيسى (عليه السلام) بإعجازه عيي عن مداواته. كان (عليه السلام) يعالج أنواع الأمراض البدنية بإذن الله وبدون أدوات ومواد طبية، وفوق ذلك كان يعالج الميتة أجسامهم بالإحياء، لكنه عجز عن إحياء العقل الميت، وما من نبي له مثل هذه المقدرة. وقد خاطب القرآن الكريم خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله) بقوله: * (إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء) * (2).
فالفكر عندما يموت لا يعود المرء يدرك شيئا من الدنيا إلا ظاهرها، ويتوهم أن ما يفهمه منها هو الصحيح لا غير: * (يعلمون ظهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) * (3).