فتتابع القوم على ذلك، فلما خرجوا قال لهم عمرو: لعنكم الله نهيتكم أن تسلموا عليه بالإمارة فسلمتم عليه بالنبوة. (1) ولعل هذه الواقعة هي بذرة تلك النزعة الفاسدة التي كانت عند جمع ممن تولى معاوية بعد وفاته. قال شمس الدين النياء المقدسي (2) في كتاب " أحسن التقاسيم في معرفة الأقالم " ص 399: وفي أهل أصفهان بله وغلو في معاوية ووصف لي رجل بالزهد والتعبد فقصدته وتركت القافلة خلفي وبت عنده تلك الليلة وجعلت أسائله إلى أن قلت: ما قولك في (الصاحب) (3) فجعل يلعنه ثم قال: إنه أتانا بمذهب لا نعرفه. قلت وما هو؟ قال: يقول: معاوية لم يكن مرسلا: قلت: وما تقول أنت؟ قال: أقول كما قال الله عز وجل: لا نفرق بين أحد من رسله، أبو بكر كان مرسلا، وعمر كان مرسلا، حتى ذكر الأربعة ثم قال: ومعاوية كان مرسلا. قلت: لا تفعل، أما الأربعة فكانوا خلفاء ومعاوية كان ملكا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الخلافة بعدي إلى ثلاثين سنة ثم تكون ملكا. فجعل يشنع علي وأصبح يقول للناس: هذا رجل رافضي فلو لم تدرك القافلة لبطشوا بي، ولهم في هذا الباب حكايات كثيرة.
هب إن القوم أخذت منهم الرهبة مأخذه فلم يلتفتوا إلى ما يقولون لكن هذا الذي يدعي الخلافة عن رسول الله بملكه العضوض هلا كان عليه أن يردعهم عن ذلك التسليم المحظور؟ أو يسكن روعتهم فيرجعوا إلى حق المقام لولا أن معاوية لم يكن له في مبوأه ذلك ضالة إلا الحصول أعلى الملوكية الغاشمة باسم الخلافة المغتصبة؟ لأنه لا يبلغ أمنيته إلا بها فلا يبالي أسلم عليه بالربوبية أو الرسالة أو إمرة المؤمنين وقد حاول إرغام ابن النابغة فيما توسمه منه في مقتبله ذلك، فبلغ ما أراد فحالت نشوة الغلبة بينه وبين أن يجعل لأمره الأمر أو إمرته الخرقاء صورة محفوظة.
يأنس ابن هند بذلك الخطاب الباطل، ولم يشنع على من يسلم عليه بالرسالة، غير أنه لم يرقه أن يذكر نبي الاسلام بالرسالة، ويزريه بذكر اسمه وهو يعلم أن