كسيبويه والخليل، بل أن يكون قد حصل من ذلك على ما يعرف به أوضاع العرب والجاري من عاداتهم في المخاطبات، بحيث يميز بين دلالات الألفاظ من المطابقة، والتضمين، والالتزام، والمفرد والمركب، والكلي منها والجزئي، والحقيقة والمجاز، والتواطئ والاشتراك، والترادف والتباين، والنص والظاهر، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق والمفهوم، والاقتضاء والإشارة، والتنبيه والايماء، ونحو ذلك مما فصلناه.
ويتوقف عليه استثمار الحكم من دليله.
وذلك كله أيضا إنما يشترط في حق المجتهد المطلق المتصدي للحكم والفتوى في جميع مسائل الفقه، وأما الاجتهاد في حكم بعض المسائل، فيكفي فيه أن يكون عارفا بما يتعلق بتلك المسألة، وما لا بد منه فيها، ولا يضره في ذلك جهله بما لا تعلق له بها، مما يتعلق بباقي المسائل الفقهية، كما أن المجتهد المطلق قد يكون مجتهدا في المسائل المتكثرة، بالغا رتبة الاجتهاد فيها، وإن كان جاهلا ببعض المسائل الخارجة عنها، فإنه ليس من شرط المفتي أن يكون عالما بجميع أحكام المسائل ومداركها، فإن ذلك مما لا يدخل تحت وسع البشر، ولهذا نقل عن مالك أنه سئل عن أربعين مسألة، فقال في ست وثلاثين منها، لا أدري.
وأما ما فيه الاجتهاد: فما كان من الأحكام الشرعية دليله ظنيا. فقولنا " من الأحكام الشرعية " تمييز له عما كان من القضايا العقلية واللغوية وغيرها. وقولنا " دليله ظنيا " تمييز له عما كان دليله منها قطعيا، كالعبادات الخمس ونحوها، فإنها ليست محلا للاجتهاد فيها، لأن المخطئ فيها يعد آثما، والمسائل الاجتهادية ما لا يعد المخطئ فيها باجتهاده آثما. ا ه.
وقال الشاطبي في الموافقات 4: 89 ما ملخصه: الاجتهاد على ضربين: الأول:
الاجتهاد المتعلق بتحقيق المناط، وهو الذي لا خلاف بين الأمة في قبوله، ومعناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي لكن يبقى النظر في تعيين محله.
فلا بد من هذه الاجتهاد في كل زمان، إذ لا يمكن حصول التكليف إلا به، فلو فرض التكليف مع إمكان ارتفاع هذا الاجتهاد لكان تكليفا بالمحال، وهو غير ممكن شرعا، كما إنه غير ممكن عقلا.