أنت والخلافة؟ وأنت طليق الاسلام، وابن رأس الأحزاب، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر.
وخطب معاوية بعد دخوله الكوفة وصلح الإمام السبط سلام الله عليه فقال:
يا أهل الكوفة! أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج؟ وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون. ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون، ألا إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين. شرح ابن أبي الحديد 4: 6، تاريخ ابن كثير 8: 131 واللفظ للأول.
قال معروف بن خربوذ المكي: بينا عبد الله بن عباس جالس في المسجد ونحن بين يديه إذ أقبل معاوية فجلس إليه فأعرض عنه ابن عباس فقال له معاوية: مالي أراك معرضا؟ ألست تعلم أني أحق بهذا الأمر من ابن عمك؟ قال: لم؟ لأنه كان مسلما وكنت كافرا؟ قال: لا، ولكني ابن عم عثمان. قال: فابن عمي خير من ابن عمك.
قال: إن عثمان قتل مظلوما. قال: وعندهما ابن عمر فقال ابن عباس: فإن هذا والله أحق بالأمر منك. فقال معاوية: إن عمر قتله كافر وعثمان قتله مسلم. فقال ابن عباس:
ذاك والله أدحض لحجتك. مستدرك الحاكم 3: 467.
قال الأميني: إن هذه الكلم لتعطي القارئ دروسا ضافية من تحري معاوية للخلافة لا غيرها من أول يومه، ولم يكن في وسع ابن آكلة الأكباد دفع شئ مما كتب إليه من ذلك، وإنه كان يريد على فرض قصوره النيل لكل الأمنية القناعة ببعضها، فيصفو له ملك الشام ومصر، وللإمام عليه السلام ما تحت يده من الحواضر الإسلامية وزرافات الأجناد، عسى أن يتخذ ذلك وسيلة للتوصل إلى بقية الأمل في مستقبل أيامه، وكانت هذه القسمة ابتداعا في أمر الخلافة الإسلامية، وتفريقا بين صفوفها، لم تأل إلى سابقة في الدين، ولا أمضاها أهله في دور من الأدوار، وإنما هي فصمة في الجماعة، وتفريق للطاعة، وتفكيك لعرى الاسلام، وتضعيف لقواه، وبيعة عامة تلزم القاصي والداني لا يستثنى منها جيل دون جيل، ولا يجوز انحياز أمة عنها دون أمة، وإنما هو الخليفة الأخير الذي أوجبت الشريعة قتله كما مر حديثه الصحيح الثابت،