ونداء أبي ذر في الملأ الديني وقد تنغر على عثمان بعد يرن في أذن الدنيا، وقوارص لمزه وهمزه إياه بعد تلوكه الأشداق في أندية الرجال، وكلمه المأثورة الخالدة في صفحات التاريخ تضاد ما عزي إليه من الرواية، وكل خطابه وعتابه إياه يعرب عن أن أبا ذر قط لم يؤمن بما اختلق عليه ولم يك يسمعه من الصادع الكريم، وكان يحدث الناس غير مكترث لبوادر عثمان ما كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله: إذا كملت بنو أمية ثلاثين رجلا اتخذوا بلاد الله دولا، وعباد الله خولا، ودين الله دغلا. كان يحدث عثمان بذلك وعثمان يكذبه (1) ومن كذبه فقد كذب رسول الله صلى الله عليه وآله.
ولم يكن أبو ذر شاذا عن الصحابة في رأيه السيئ ونقمته على عثمان، بل نبأ المتجمهرين عليه من المهاجرين والأنصار والناقمين عليه من الحواضر الإسلامية، و المجتمعين على وئده المحتجين عليه بالكتاب العزيز يعطينا خبرا بأن الرواية لا تصح عندهم، ولا يصدقها رجل صدق منهم.
وهل نسيتها أم المؤمنين المخاطبة بها، أو تغاضت عنها يوم كانت تنادي في ملأ من الصحابة: اقتلوا نعثلا قتله الله؟ ويوم قالت لمروان: وددت والله أنك وصاحبك هذا الذي يعنيك أمره في رجل كل واحد منكما رحا وأنكما في البحر. ويوم قالت:
وددت والله أنه في غرارة من غرائري هذه وأني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر ويوم قالت لابن عباس: إن الله قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فإياك أن ترد الناس عن هذه الطاغية. ويوم أخرجت ثوب رسول الله وهي تقول: هذا ثوب رسول الله صلى الله عليه وآله لم يبل وعثمان قد أبلى سنته. ويوم قالت لما بلغها نعيه: أبعده الله ذلك بما قدمت يداه وما الله بظلام للعبيد. ويوم قالت: بعد لنعثل وسحقا (1) أيخبرك ضميرك الحر بأن صاحبة تلكم المواقف الهائلة كانت تصدق تلك الرواية وتؤمن بها وترى نعثلا رفيق رسول الله صلى الله عليه وآله في الجنة؟ فاستعذ بالله من أن تكون من الجاهلين.
38 - قال محمد بن آدم: رأيت بمكة أسقفا (2) يطوف بالكعبة فقلت له: ما الذي