ذلك قومه فبعث ابن أخت له من بارق - وكان يرى رأي علي بن أبي طالب فبايعه بعد، وكان ممن لحق من أهل الشام وكان ناسكا - فقال:
لعمر أبي الأشقى ابن هند لقد رمى * شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله ولفف قوما يسحبون ذيولهم * جميعا وأولى الناس بالذنب فاعله فألفى يمانيا ضعيفا نخاعه * إلى كل ما يهوون تحدى رواحله فطأطأ لها لما رموه بثقلها * ولا يرزق التقوى من الله خاذله ليأكل دنيا لابن هند بدينه * ألا وابن هند قبل ذلك آكله وقالوا علي في ابن عفان خدعة * ودبت إليه بالشنان غوائله ولا والذي أرسى ثبيرا مكانه * لقد كف عنه كفه ووسائله وما كان إلا من صحاب محمد * وكلهم تغلي عليه مراجله فلما بلغ شرحبيل هذا القول قال: هذا بعيث الشيطان، الآن امتحن الله قلبي، والله لأسيرن صاحب هذا الشعر أو ليفوتنني. فهرب الفتى إلى الكوفة. وكاد أهل الشام أن يرتابوا.
وبعث معاوية إلى شرحبيل بن السمط فقال: إنه كان من إجابتك الحق، وما وقع فيه أجرك على الله، وقبله عنك صلحاء الناس ما علمت، وإن هذا الأمر الذي قد عرفته لا يتم إلا برضا العامة، فسر في مدائن الشام، وناد فيهم: بأن عليا قتل عثمان، وأنه يجب المسلمين أن يطلبوا بدمه، فسار فبدأ بأهل حمص فقام خطيبا، فقال: يا أيها الناس! إن عليا قتل عثمان بن عفان، وقد غضب له قوم فقتلهم، وهزم الجميع وغلب على الأرض، فلم يبق إلا الشام، وهو واضع سيفه على عاتقه، ثم خائض به غمار الموت حتى يأتيكم أو يحدث الله أمرا، ولا نجد أحدا أقوى على قتاله من معاوية، فجدوا وانهضوا، فأجابه الناس إلا نساك أهل حمص، فإنهم قاموا إليه فقالوا: بيوتنا قبورنا ومساجدنا، وأنت أعلم بما ترى، وجعل شرحبيل يستنهض مدائن الشام حتى استفرغها، لا يأتي على قوم إلا قبلوا ما أتاهم به، فبعث إليه النجاشي بن الحارث وكان صديقا له:
شرحبيل ما للدين فارقت أمرنا * ولكن لبغض المالكي جرير وشحناء دبت بين سعد وبينه * فأصبحت كالحادي بغير بعير