عليا وهو قاتل عثمان، والله سائلك عما قلت يوم القيامة. فأقبل عليه جرير فقال: يا شرحبيل أما قولك: إني جئت بأمر ملفف. فكيف يكون أمرا ملففا وقد اجتمع عليه المهاجرون والأنصار، وقوتل على رده طلحة والزبير؟! وأما قولك: إني ألقيتك في لهوات الأسد.
ففي لهواتها ألقيت نفسك، وأما خلط العراق بالشام فخلطهما على حق خير من فرقتهما على باطل. وأما قولك: إن عليا قتل عثمان. فوالله ما في يديك من ذلك إلا القذف بالغيب من مكان بعيد، ولكنك ملت إلى الدنيا، وشئ كان في نفسك على زمن سعد بن أبي وقاص.
فبلغ معاوية قول الرجلين، فبعث إلى جرير فزجره ولم يدر ما أجابه أهل الشام وكتب جرير إلى شرحبيل:
شرحبيل يا ابن السمط لا تتبع الهوى * فمالك في الدنيا من الدين من بدل وقل لابن حرب: مالك اليوم حرمة * تروم بها ما رمت فاقطع له الأمل شرحبيل إن الحق قد جد جده * وإنك مأمون الأديم من النغل فأرود ولا تفرط بشئ نخافه * عليك ولا تعجل فلا خير في العجل ولا تك كالمجري إلى شر غاية * فقد خرق السربال واستنوق الجمل وقال ابن هند في علي عضيهة * ولله في صدر ابن أبي طالب أجل وما لعلي في ابن عفان سقطة * بأمر ولا جلب عليه ولا قتل (1) وما كان إلا لازما قعر بيته * إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل فمن قال قولا غير هذا فحسبه * من الزور والبهتان قول الذي احتمل وصي رسول الله من دون أهله * وفارسه الأولى به يضرب المثل (2) فلما قرأ شرحبيل الكتاب ذعر وفكر، وقال: هذه نصيحة لي في ديني ودنياي.
ولا والله لا اعجل في هذا الأمر بشئ وفي نفسي منه حاجة، فاستتر له القوم ولفف له معاوية الرجال يدخلون إليه ويخرجون، ويعظمون عنده عثمان ويرمون به عليا، ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلقة، حتى أعادوا رأيه وشحذوا عزمه، وبلغ