فهو في ثبات جأشه وتمسكه بالآية الكريمة لا في الآية نفسها.
ثم كيف خفي على الرجل وعلى من تبعه الفرق ين ملكتي الشجاعة والقسوة؟
وأن هذا النسج الذي أوهن من بيت العنكبوت إنما نسجته يد السياسة لدفع مشكلات هناك، فخبلوا عمر بن الخطاب " وحاشة الخبل " تصحيحا لإنكاره موت رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه كان من ذلك القلق كما مر في ص 184، وأقعدوا عليا لإيهام العذر في تخلفه عن البيعة، وأخرسوا عثمان لأنه لم ينبس في ذلك الموقف ببنت شفة.
على أن ما جاء به القرطبي من ميزان الشجاعة يستلزم كون الخليفة أشجع من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا إذ لم يرو عن أبي بكر في رزية النبي الأعظم أكثر من أنه كشف عن وجه النبي وقبله وهو يبكي وقال: طبت حيا وميتا (1) وقد فعل صلى الله عليه وآله أكثر وأكثر من هذا في موت عثمان بن مظعون فإنه صلى الله عليه وآله انكب عليه ثلاث مرات مرة بعد أخرى وقبله باكيا عليه وعيناه تذرفان والدموع تسيل على وجنتيه وله شهيق (2)، وشتان بين عثمان بن مظعون وبين سيد البشر روح الخليقة وعلة العوالم كلها، وشتان بين المصيبتين.
كما يستدعي مقياس الرجل كون عمر بن الخطاب أشجع من النبي الأقدس لحزنه العظيم في موت زينب وبكائه عليها، وعمر كان يوم ذاك يضرب النسوة الباكيات عليها بالسوط كما مر في الجزء السادس ص 159 ط 2 فضلا عن عدم تأثره بتلك الرزية.
وعلى هذا الميزان يغدو عثمان بن عفان أشجع من رسول الله صلى الله عليه وآله لوجده صلى الله عليه وآله لموت إحدى بنتيه: رقية أو أم كلثوم زوجة عثمان. وبكائه عليها، وعثمان غير متأثر به ولا بانقطاع صهره من رسول الله صلى الله عليه وآله غير مشغول بذلك من مقارفة بعض نساءه في ليلة وفاتها كما في صحيحة أنس (3).
وقبل هذه كلها ما ذكره أعلام القوم في موت أبي بكر من طريق ابن عمر من قوله:
كان سبب موت أبي بكر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جسمه يجري حتى مات. وقوله: