بأمره نفوسهم، فيشتغلوا بالاهتمام به عن عدوهم، ولا يكون لهم فئة يلجئون إليها و ظهرا يرجعون إليه، ويعلمون أنه متى كان خلفهم تفقد أمورهم وعلم مواقفهم وآوى كل إنسان مكانه في الحماية والنكاية وعند النازلة في الكر والحملة، فكان وقوفه حيث وقف أصلح لأمرهم، وأحمي وأحرس لبيضتهم، ولأنه المطلوب من بينهم، إذ هو مدبر أمورهم ووالي جماعتهم، ألا ترون أم موقف صاحب اللواء موقف شريف؟ وأن صلاح الحرب في وقوفه، وأن فضيلته في ترك التقدم في أكثر حالاته، فللرئيس حالات: الأولى حالة يتخلف ويقف آخرا ليكون سندا وقوة ورداءا وعدة، وليتولى تدبير الحرب و يعرف مواضع الخلل. والحالة الثانية: يتقدم فيها في وسط الصف ليقوى الضعيف ويشجع الناكس: وحالة ثالثة: وهي إذا اصطدم الفيلقان، وتكافح السيفان، اعتمد ما يقتضيه الحال ومن الوقوف حيث يستصلح، أو من مباشرة الحرب بنفسه فإنها آخر المنازل وفيها تظهر شجاعة الشجاع النجد، وفسالة الجبان المموه. فأين مقام الرئاسة العظمى لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وأين منزلة أبي بكر ليسوى بين المنزلتين، ويناسب بين الحالتين؟ ولو كان أبو بكر شريكا لرسول الله في الرسالة وممنوحا من الله بفضيلة النبوة، وكانت قريش والعرب تطلبه كما تطلب محمدا صلى الله عليه وسلم؟ لكان للجاحظ أن يقول ذلك، فأما وحاله حاله وهو أضعف المسلمين جنانا وأقلهم عند العرب ترة لم يرم قط بسهم، ولا سل سيفا، ولا أراق دما، وهو أحد الأتباع غير مشهور ولا معروف ولا طالب ولا مطلوب، فكيف يجوز أن يجعل مقامه ومنزلته مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنزلته؟ ولقد خرج ابنه عبد الرحمن مع المشركين يوم أحد فرآه أبو بكر فقام مغيظا على فسل من السيف مقدار إصبع يروم البروز إليه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا بكر! شم سيفك وامتعنا بنفسك. ولم يقل له (وامتعنا بنفسك) إلا لعلمه بأنه ليس أهلا للحرب وملاقاة الرجال وأنه لو بارز لقتل.
وكيف يقول الجاحظ: لا فضيلة لمباشرة الحروب ولقاء الاقران وقتل أبطال الشرك؟
وهل قامت عمد الاسلام إلا على ذلك؟ وهل ثبت الدين واستقر إلا بذلك؟ أتراه لم يسمع قول الله تعالى " إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص "؟
والمحبة من الله تعالى هي إرادة الثواب، فكل من كان أشد ثبوتا في هذا الصف وأعظم