عن الفحص عن الخليفة إلى أن يحضر أبو بكر وكان غائبا بالسنح (1) خارج المدينة، وكان الأمر دبر بليل، ألا ترى أن غير واحد من أعلام القوم قد اعتذروا عن إنكار عمر موته صلى الله عليه وآله سلم بغير الجهل فمنهم من قال: إن ذلك كان لتشوش البال، واضطراب الحال، والذهول عن جليات الأحوال (2) ومنهم من اعتذر بقوله: خبل عمر في وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يقول: إنه والله ما مات ولكنه ذهب إلى ربه (3).
(المظهر الثاني) وجاء ابن حجر من علم الخليفة بمظاهر أخرى واحتج بها على كونه أعلم الصحابة على الإطلاق. منها: ما أخرجه البخاري في صحيحه في صلح الحديبية عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: فأتيت نبي الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا نبي الله ألست نبي الله حقا؟ قال: بلى قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن؟ قال: إني رسول الله ولست أعصيه، وهو ناصري. قلت: أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به. قال: فأتيت أبا بكر رضي الله عنه فقلت: يا أبا بكر: أليس هذا نبي الله حقا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الله وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذن. فقال: أيها الرجل! إنه رسول الله ولن يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق. فقلت: أليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى فأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك آتيه ومطوف به.
قال الأميني: هل في هذه الرواية غير أن أبا بكر كان مؤمنا بنبوة رسول الله، وبطبع الحال إن كل من اعتنق هذا المبدء يرى أنه صلى الله عليه وآله لا يعصي ربه وهو ناصره و أن كل ميعاد جاء به لا بد وأن يقع في الأجل المضروب له إن كان موقتا وإلا فهو يقع