وليس من المأمون أن يقع انتخابهم على عائث، أو يكون التيائهم بمشاغب، أو يكون انثيالهم وراء من يسر على الأمة حسوا في ارتغاء (1) أو يقع اختيارهم على جاهل يرتبك في الأحكام فيرتكب العظام، ويأتي بالجرائم، ويقترف المآثم وهو لا يعلم، أو يعلم ولا يكترث لأن يقول زورا، ويحكم غرورا، فيفسدوا من حيث أرادوا أن يصلحوا، و يقعوا في الهلكة وهم لا يشعرون، كما وقعت أمثال ذلك في البيعة لمعاوية ويزيد وخلفاء الأمويين.
فعلى البارئ الرؤف الذي يكره كل ذلك في خلقه أن لا يجعل لأحد من خلقه الخيرة فيها وقد خلقه ظلوما جهولا (2) ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير (3)، و ربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة في الأمر (4) وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا. (الأحزاب 36) وقد أخبر به النبي الأعظم من أول يومه يوم عرض نفسه على القبائل فبلغ بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله فقال. له قائلهم: أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال: إن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء (5).
أني تسوغ أن تكون للخلق خيرة في الأمر مع شيوع الغايات والأغراض والدعاوي والميول والشهوات في الناس حول الانتخاب، مع اختلاف الأنظار وتضارب الآراء والمعتقدات في تحليل نفسيات الرجال والشخصيات البارزة، مع كثرة الأحزاب والفرق والأقوام والطوائف المتشاكسة، مع شقاق القومية والطائفية والشعوبية الذايع الشايع في المسكين ابن آدم من أول يومه.