والوقيعة في النفوس، ونصب العداء لمخالفيه، وما يوجب من دحض الحق، وإضاعة الحقوق، ورفض مكارم الأخلاق. وحسبك ما كتبه إلى صديق له وكان قد تقلد البريد من قوله:
صرت لي عامل البريد مقينا (1) * وقديما إلي كنت حبيبا كنت تستثقل الرقيب فقد صرت * علينا بما وليت رقيبا كرهتك النفوس وانحرفت عنك * قلوب وكنت تسبي القلوبا أفلا يعجب الأنام بشخص * صار ذئبا وكان ظبيا ربيبا؟!
حكمه ودرر كلمه فياله في شعره من شواهد صادقة تمثله بهذا الجانب العظيم، وتعرب عن قدم صدقه في حث أمته إلى المولى سبحانه بالحكمة والموعظة الحسنة، وبت الدعوة إليه بدرر الكلم وغرر الحكم، وإصلاح أمته ببيان بحقيقة، وتشريح دعوة النفس الأمارة بالسوء، وهن حكمياته قوله:
ليس خلق إلا وفيه إذا ما * وقع الفحص عنه خير وشر لازم ذاك في الجبلة لا يدفعه * له بذلك خبر حكمة الصانع المدبر أن لا * شئ إلا وفيه نفع وضر فاجتهد أن يكون أكبر قسميك * من النفع والأقل الأضر وتحمل مرارة الرأي واعلم * أن عقبى هواك منه أمر رض بفعل التدبير نفسك واقصرها * عليه ففيه فضل وفخر لا تطعها على الذي تبتغيه * وليرعها منك اعتساف وقهر إن من شأنها مجانبة الخير * وإتيان كل ما قد يغر وقوله:
عجبي ممن تعالت حاله * وكفاه الله زلات الطلب كيف لا يقسم شطري عمره * بين حالين: نعيم وأدب فإذا ما نال دهرا حظه * فحديث ونشيد وكتب مرة جدا وأخرى راحة * فإذا ما غسق الليل انتصب