يأتي غدا ولواء الحمد في يده * والناس قد سفروا من أوجه قطب حتى إذا اصطكت الأقدام زائلة * عن الصراط فويق النار مضطرب * (الشاعر) * أبو محمد طلحة بن عبيد الله بن أبي عون الغساني (1) العوني. لعل في شهرة العوني وشعره السائر وطرفه المدونة في الكتب، غنى عن تعريفه وذكر عبقريته، وتفوقه في سرد القريض، ونبوغه في نضد جواهر الكلام، كما أن فيما دون من تاريخ حياته وما يؤثر عنه من جمل الشعر ومفصلاته كفاية للباحث عن إدلاء الحجة على تشيعه وتفانيه في ولاء سادته وأئمة دينه صلوات الله عليهم.
لقد سرى الركبان بشعر العوني فطارت نبذة إلى مختلف الديار، ولهج بها الناس في أماكن قصية، وكان ينشدها المنشدون في الأندية والمجتمعات التي يتحرى فيها تشنيف الأسماع بذكر أهل البيت عليهم السلام وفضايلهم، ومنهم الشاعر [منير] والد الشاعر أحمد بن منير المترجم في شعراء القرن السادس، كان ينشد شعر العوني في أسواق طرابلس فيقرط آذان الناس بتلكم الفضايل، لكن ابن عساكر [أساء سمعا و أساء جابه] غاظه ذلك الهتاف بذكر أهل البيت عليهم السلام، فأراد أن يسم الرجل بما يشوه سمعته فقال: إنه كان يغني في أسواق طرابلس بشعر العوني. وجاء ابن خلكان بعد لأي من عمر الدهر حتى وقف على تلك الأنشودة فسائته أكثر مما سائت ابن عساكر [فزاد ضعثا على أباله] فطرح لفظة (شعر العوني) واكتفى بأن منيرا كان يغني في الأسواق، وللمحاسبة مع الرجلين موقف نؤجله إلى يوم الحساب فهنا لك يستوفي منير حقه، وإن ربك لبالمرصاد.
وهذه كلها والنبذ المدونة من شعره في هذا الكتاب وفيها عد الأئمة الاثني عشر آيات باهرة لبلوغ (العوني) الغاية القصوى من الموالاة والتشيع، حتى أن القاصرين أو الحانقين عليه رموه بالغلو لما ذكره ابن شهرآشوب في (المعالم) من أنه نظم أكثر المناقب، والواقف على شعره جد عليم بأنه كان يمشي على الوسط