هو كذلك إذ لاحت سمكة نحو الذراع كأنها سبيكة فضة، فجعل لمن يخرجها سيفه (1)، فبدر بعض الفراشين فأخذها وصعد.
فلما صارت على حرف العين، أو على الخشب الذي عليه المأمون، اضطربت وأفلتت من يد الفراش، فوقعت في الماء كالحجر، فنضح من الماء على صدر المأمون ونحره وتر قوته، فبلت ثوبه، ثم انحدر الفراش ثانية، فأخذها ووضعها بين يدي المأمون في منديل تضطرب، فقال المأمون: تقلى الساعة، ثم أخذته رعدة من ساعته، فلم يقدر أن يتحرك من مكانه، فغطى باللحف والدواويج، وهو يرتعد كالسعفة ويصيح: البرد البرد، ثم حول إلى المغرب (2)، ودثر وأوقد النيران حوله، وهو يصيح: البرد البرد، ثم اتي بالسمكة وقد فرغ من قليها، فلم يقدر على الذوق منها، وشغله ما هو فيه عن تناول شئ منها، ولما اشتد به الأمر، سأل المعتصم بختيشوع (3) وابن ماسويه (4) في ذلك الوقت عن المأمون، وهو في سكرات الموت، وما الذي يدل عليه علم الطب من أمره؟ وهل يمكن برؤه وشفاؤه؟ فتقدم ابن ماسويه، وأخذ إحدى يديه وبختيشوع الأخرى، وأخذ المجسة من كلتا يديه، فوجدا نبضه خارجا عن الاعتدال، منذرا بالفناء والانحلال، والتزقت أيديهما ببشرته لعرق كان يظهر منه، من سائر جسده، كالزيت أو كلعاب بعض الأفاعي، فأخبر المعتصم بذلك، فسألهما عن ذلك، فأنكرا معرفته، وأنهما لم يجداه في شئ من الكتب، وأنه دال على انحلال الجسد.
فأحصر المعتصم (5) الأطباء حوله يؤمل خلاصه مما هو فيه، فلما ثقل قال: