اليزدي صاحب العروة الوثقى - وكان شديد الانضباط في أمر المدرسة وأمور الطلاب، أن الطلاب كانوا يسعون لأخذ حجرات جديدة يأتيها الضوء وشعاع الشمس وكان يقول: سكن الحاج الشيخ عباس القمي رحمه الله في حجرة مظلمة تحت سلم الطبقة الثانية، وكان يترجم العروة الوثقى في تلك الحجرة المظلمة المرطوبة، وكلما أردت استبدالها بأحسن منها، كان يقول: لا احتاج إلى ذلك فإن هذه الحجرة تكفيني، وأنا مرتاح فيها ولا أريد أن أضايق سائر الطلاب.
كانت معيشته عادية أو أقل من حياة كثير من أهل العلم الذين ليس لهم سمعة ولا شهرة، كان لباسه قباء من كرباس معطر نظيف ولا يستبدله لعدة سنين دون أن يفكر بالتجمل والثروة.
وكان الشيخ رحمه الله يصعد المنبر في المسجد الهندي صباحا في العشرة الأولى من محرم الحرام في النجف الأشرف، فكان مجلسه مزدحما بالناس أكثر من سائر المجالس في النجف، وكانت مدة حديثه على المنبر لا تتجاوز الساعتين، وفي اليوم العاشر لا يقرأ سوى المقتل، ولا يتكلم إلا عن مصائب سيد الشهداء عليه السلام ومظلوميته، وكان يبكي أهل العلم والفضل بكاء لم ير له نظير.
يقول ابن الشيخ: كنا في النجف الأشرف في سنة 1357 ه أي قبل سنتين من وفاة الوالد، فقام ذات يوم من النوم وقال: أصابني وجع شديد في عيني ولم أقدر على المطالعة، وكان يقول بلسان حاله: كأن أهل البيت طردوه ولم يريدوه، كما كان يصرح بهذا المطلب في بعض الأحيان ثم يبكي بتأثر وحرقة.
ثم قال ابنه: فذهبت إلى الدرس وتركته على تلك الهيئة، فلما جئت إلى البيت ظهرا رأيته جالسا في موضعه ومشغولا بالكتابة، قلت له: كيف حال عينك يا أبة؟
قال: ذهب عني الوجع بأجمعه، قلت: كيف عالجتها؟ قال: توضأت وجلست أمام القبلة ووضعت كتاب الكافي على عيني، فذهب الوجع عنها، فلم يصب بوجع العين بعدها إلى آخر عمره الشريف.
كان الحاج الشيخ عباس القمي رحمه الله يقوم من النوم ساعة قبل طلوع الفجر فيبدأ