أنك أنكرت ما رأيت، وتوهمت أني علمت من الأمر ما لا تعلمه، وليس ذلك كما ظننت، ولكني نشأت بالبادية فأنا أعرف الرياح التي يكون في عقبها المطر، فلما أصبحت هبت ريح لا تخلف، وشممت منها رائحة المطر، فتأهبت لذلك.
فلما قدمت مدينة السلام بدأت بإسحاق بن إبراهيم الطاطري - وكان على بغداد - فقال [لي] (1): يا يحيى إن هذا الرجل قد ولده رسول الله صلى الله عليه وآله، والمتوكل من تعلم، وإن حرضته على قتله كان رسول الله صلى الله عليه وآله خصمك، فقلت: وا لله ما وقفت منه (2) إلا على كل أمر جميل.
فصرت إلى سامراء، فبدأت بوصيف التركي، وكنت من أصحابه، فقال: والله لئن سقطت من رأس هذا الرجل شعرة لا يكون المطالب بها غيري، فعجبت من قولهما، وعرفت المتوكل ما وقفت عليه، وما سمعته من الثناء عليه، فأحسن جائزته وأظهر بره وتكرمته، انتهى (3).
وقال في إثبات الوصية: حدث أبو عبد الله محمد بن أحمد الحلبي القاضي، قال: حدثني الخضر بن محمد البزاز، وكان شيخا مستورا ثقة يقبله القضاة والناس، قال: رأيت في المنام كأني على شاطئ دجلة بمدينة السلام في رحبة الجسر، والناس مجتمعون خلقا كثيرا يزحم بعضهم بعضا، وهم يقولون: قد أقبل بيت الله الحرام، فبينا نحن كذلك إذ رأيت البيت بما عليه من الستائر والديباج والقباطي قد أقبل مارا على الأرض يسير حتى عبر الجسر من الجانب الغربي إلى الجانب الشرقي، والناس يطوفون به وبين يديه حتى دخل دار خزيمة (4) إلى أن قال: فلما كان بعد أيام خرجت في حاجة حتى انتهيت إلى الجسر، فرأيت الناس مجتمعين، وهم يقولون: قد قدم ابن الرضا عليه السلام من المدينة، فرأيته قد عبر من الجسر على