فأمهله ليتأدب ويتفقه في الدين، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك، فقال لهم: ويحكم إني (1) أعرف بهذا الفتى منكم، وأن هذا من أهل بيت علمهم من الله ومواده (2) والهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال، فإن شئتم فامتحنوا أبا جعفر بما يتبين لكم به ما وصفت من حاله، قالوا له:
قد رضينا لك يا أمير المؤمنين ولأنفسنا بامتحانه، فخل بيننا وبينه لننصب من يسأله بحضرتك عن شئ من فقه الشريعة، فإن أصاب الجواب عنه لم يكن لنا اعتراض في أمره، وظهر للخاصة والعامة سديد رأي أمير المؤمنين، وإن عجز عن ذلك فقد كفينا الخطب في معناه، فقال لهم المأمون: شأنكم وذاك متى أردتم.
فخرجوا من عنده وأجمع (3) رأيهم على مسألة يحيى بن أكثم وهو - يومئذ - قاضي الزمان (4) على أن يسأله مسألة لا يعرف الجواب فيها، ووعدوه بأموال نفيسة على ذلك، وعادوا إلى المأمون فسألوه أن يختار لهم يوما للاجتماع، فأجابهم إلى ذلك، فاجتمعوا في اليوم الذي اتفقوا عليه وحضر معهم يحيى بن أكثم، فأمر المأمون أن يفرش لأبي جعفر عليه السلام دست (5) ويجعل له فيه مسور تأن (6) ففعل ذلك.
وخرج أبو جعفر عليه السلام وهو - يومئذ - ابن سبع (7) سنين وأشهر، فجلس بين المسورتين، وجلس يحيى بن أكثم بين يديه وقام الناس في مراتبهم، والمأمون جالس في دست متصل بدست أبي جعفر عليه السلام، فقال يحيى بن أكثم للمأمون: تأذن لي يا أمير المؤمنين أن اسأل أبا جعفر؟ فقال له المأمون: استأذنه في ذلك، فاقبل عليه يحيى بن أكثم، فقال: أتأذن لي جعلت فداك في مسألة؟
قال له أبو جعفر: سل إن شئت، قال يحيى: ما تقول جعلني الله فداك في محرم