كم اخترمت أيدي المنون من قرون بعد قرون، وكم غيرت الأرض ببلاها، وغيبت في ثراها ممن عاشرت من صنوف الناس وشيعتهم إلى الأرماس (1).
وأنت على الدنيا مكب منافس * لخطابها فيها حريص مكاثر على خطر تمسي وتصبح لاهيا * أتدري بماذا لو عقلت تخاطر وإن امرئ يسعى لدنياه جاهدا * ويذهل عن اخراه لا شك خاسر فحتام على الدنيا إقبالك، وبشهوتها اشتغالك، وقد وحظك (2) القتير، ووافاك النذير، وأنت عما يراد بك ساه، وبلذة يومك لاه.
وفي ذكر هول الموت والقبر والبلى * عن اللهو واللذات للمرء زاجر أبعد اقتراب الأربعين تربص * وشيب القذال منذ ذلك ذاعر كأنك معني بما هو ضائر * لنفسك عمدا أو عن الرشد جائر انظر إلى الأمم الماضية، والقرون الفانية، والملوك العاتية كيف انتسفتهم الأيام فأفناهم الحمام (3) فامتحت من الدنيا آثارهم، وبقيت فيها أخبارهم.
واضحوا رميما في التراب واقفرت * مجالس منهم عطلت ومقاصر وحلوا بدار لا تزاور بينهم * وأنى لسكان القبور التزاور فما إن ترى إلا جثى قد ثروا (4) بها * مسنمة تسفي عليها الأعاصر كم عاينت من ذي عز وسلطان، وجنود وأعوان، تمكن من دنياه، ونال منها مناه، فبنى الحصون والدساكر (5)، وجمع الاعلاق والذخائر.
فما صرفت كف المنية إذ أتت * مبادرة تهوى إليه الذخائر