وكان حضور قلبه في العبادة بحيث تمثل إبليس بصورة أفعى ليشغله فما شغله (1).
وروي عن حماد بن حبيب العطار الكوفي [القطان] قال: خرجنا [سنة] (2) حجاجا فرحلنا من زبالة (3) ليلا فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة، فتقطعت القافلة، فتهت في تلك الصحارى والبراري، فانتهيت إلى واد قفر، فلما أن جن الليل، آويت إلى شجرة عادية، فلما أن اختلط الظلام، إذا أنا بشاب قد أقبل عليه أطمار (4) بيض، تفوح منه رائحة المسك، فقلت في نفسي: هذا ولي من أولياء الله، متى ما أحس بحركتي خشيت نفاره، وأن أمنعه عن كثير مما يريد فعاله، فأخفيت نفسي ما استطعت فدنا إلى الموضع فتهيأ للصلاة، ثم وثب قائما وهو يقول: (يا من حاز كل شئ ملكوتا وقهر كل شئ جبروتا [صل على محمد وآل محمد (5)] وأولج قلبي فرح الاقبال عليك، وألحقني بميدان المطيعين لك). قال: ثم دخل في الصلاة فلما أن رأيته قد هدأت أعضاؤه، وسكنت حركاته قمت إلى الموضع الذي تهيأ للصلاة فإذا بعين تفيض بماء أبيض فتهيأت للصلاة ثم قمت خلفه، فإذا أنا بمحراب كأنه مثل في ذلك الوقت، فرأيته كلما مر بآية فيها ذكر الوعد والوعيد يرددها بأشجان الحنين (6)، فلما أن تقشع الظلام وثب قائما وهو يقول: (يا من قصده الطالبون (7) فأصابوه مرشدا، وأمه الخائفون فوجدوه متفضلا (8)، ولجأ إليه العابدون فوجدوه موئلا، متى راحة من نصب لغيرك بدنه؟! ومتى فرج من قصد سواك بنيته (9)، إلهي قد تقشع (10) الظلام ولم أقض من خدمتك وطرا، ولا من