وكانت شدة اجتهاده عليه السلام في العبادة، بحيث أتت فاطمة بنت علي عليه السلام إلى جابر الأنصاري، وقالت له: [يا صاحب رسول الله] (1) أن لنا عليكم حقوقا ومن حقنا عليكم إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا، أن تذكروه [الله] (2) وتدعو ه إلى البقيا (3) على نفسه، وهذا علي بن الحسين بقية أبيه قد انحزم (4) انفه وثفنت (5) جبهته وركبتاه وراحتاه، أذاب نفسه في العبادة.
فأتى جابر إلى بابه واستأذن، فلما دخل عليه وجده في محرابه قد انضته (6) العبادة، فدعاه إلى البقيا على نفسه، فقال: يا جابر لا أزال على منهاج أبوي متأسيا بهما حتى ألقاهما (7).
وروي أنه عليه السلام كان إذا وقف في الصلاة لم يسمع شيئا لشغله بالصلاة، فسقط بعض ولده في بعض الليالي فانكسرت يده فصاح أهل الدار، وأتاهم الجيران وجئ بالمجبر فجبر الصبي وهو يصيح من الألم، وكل ذلك لا يسمعه، فلما أصبح رأى الصبي يده مربوطة إلى عنقه، فقال: ما هذا؟ فأخبروه (8).
ووقع حريق في بيت هو فيه ساجد، فجعلوا يقولون: يا بن رسول الله النار النار، فما رفع رأسه حتى أطفئت، فقيل له بعد قعوده: ما الذي ألهاك عنها؟ قال:
ألهتني: عنها النار الكبرى (9).
وروي أنه عليه السلام كان في الصلاة فسقط محمد ابنه عليه السلام في البئر فلم يثن عن صلاته، وهو يسمع اضطراب ابنه في قعر البئر، فلما فرغ من صلاته مد يده إلى قعر البئر، فأخرج ابنه وقال: كنت بين يدي جبار لو ملت بوجهي عند لما بوجهه عني،