واعلموا عباد الله إنكم وما أنتم فيه من هذه الدنيا على سبيل من قد مضى ممن كان أطول منكم أعمارا، وأشد بطشا، وأعمر ديارا، وأبعد آثارا، فأصبحت أصواتهم هامدة جامدة (1) من بعد طول تقلبها، وأجسادهم بالية، وديارهم خالية وآثارهم عافية (2) واستبدلوا بالقصور المشيدة والسرر والنمارق الممهدة (3) الصخور والأحجار المسندة في القبور اللاطية الملحدة (4) التي قد بين الخراب فناؤها وشيد التراب بناؤها، فمحلها مقترب، وساكنها مغترب (5) بين أهل عمارة موحشين وأهل محلة متشاغلين، لا يستأنسون بالعمران، ولا يتواصلون الجيران والاخوان، على ما بينهم من قرب الجوار، ودنو الدار، وكيف يكون بينهم تواصل، وقد طحنهم بكلكلة البلى، فأكلهم الجنادل والثرى (6) فأصبحوا بعد الحياة أمواتا، وبعد غضارة العيش رفاتا، فجع بهم الأحباب، وسكنوا التراب، وظعنوا فليس لهم إياب.
هيهات هيهات كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون، وكأن قد صرتم إلى ما صاروا إليه من البلى، والوحدة في دار الموت، وارتهنتم في ذلك