برد مالا يعلمون إلى من استودعه الله علم كتابه، واستحفظه الحكم فيه، فإنما اختلاف القضاة في دخول البغي بينهم واكتفاء كل امرء منهم برأيه دون من فرض الله ولايته، وليس يصلح الدين ولا أهل الدين على ذلك. ولكن على الحاكم أن يحكم بما عنده من الأثر والسنة، فإذا أعياه ذلك (1) رد الحكم إلى أهله فإن غاب أهله عنه ناظر غيره من فقهاء المسلمين ليس له ترك ذلك إلى غيره، وليس لقاضيين من أهلة الملة أن يقيما على اختلاف في [ال] حكم دون ما رفع ذلك إلى ولي الأمر فيكم فيكون هو الحاكم بما علمه الله، ثم يجتمعان على حكمه فيما وافقهما أو خالفهما، فانظر في ذلك نظرا بليغا فان هذا الدين قد كان أسيرا بأيدي الأشرار يعمل فيه بالهوى وتطلب به الدنيا، واكتب إلى قضاة بلدانك فليرفعوا إليك كل حكم اختلفوا فيه على حقوقه. ثم تصفح تلك الأحكام فما وافق كتاب الله وسنة نبيه والأثر من إمامك فأمضه واحملهم عليه، وما اشتبه عليك فاجمع له الفقهاء بحضرتك فناظرهم فيه ثم أمض ما يجتمع عليه أقاويل الفقهاء بحضرتك من المسلمين فان كل أمر اختلف فيه الرعية مردود إلى حكم الامام وعلى الامام الاستعانة بالله والاجتهاد في إقامة الحدود وجبر الرعية على أمره، ولا قوة إلا بالله.
ثم انظر إلى أمور عمالك، واستعملهم اختبارا، ولا تولهم أمورك محاباة (2) وأثرة، فإن المحاباة والاثرة جماع الجور والخيانة، وإدخال الضرورة على الناس وليست تصلح الأمور بالادغال (3) فاصطف لولاية أعمالك أهل الورع والعلم والسياسة، وتوخ منهم أهل التجربة والحياء من أهل البيوتات الصالحة والقدم في الاسلام، فإنهم أكرم أخلاقا، وأصح أعراضا، وأقل في المطامع إشرافا،