احتذى عليه من خالق معبود كان قبله (1)، وأرانا من ملكوت قدرته، وعجايب ما نطقت به آثار حكمته، واعتراف الحاجة من الخلق إلى أن يقيمها بمساك قوته (2) ما دلنا باضطرار قيام الحجة له على معرفته، وظهرت في البدايع التي أحدثها آثار صنعته، وأعلام حكمته، فصار كل ما خلق حجة له ودليلا عليه، وإن كان خلقا صامتا فحجته بالتدبير ناطقة ودلالته على المبدع قائمة.
وأشهد أن من شبهك بتباين أعضاء خلقك، وتلاحم حقاق مفاصلهم المحتجبة لتدبير حكمتك (3) لم يعقد غيب ضميره على معرفتك، ولم يباشر قلبه اليقين بأنه لا ند لك، وكأنه لم يسمع تبرء التابعين من المتبوعين إذ يقولون " تالله إن كنا لفي ضلال مبين إذ نسويكم برب العالمين " كذب العادلون بك (4) إذ شبهوك بأصنامهم، ونحلوك حلية المخلوقين بأوهامهم (5) وجزؤوك تجزئة المجسمات بخواطرهم وقدروك على الخلقة المختلفة القوى بقرائح عقولهم.
وأشهد أن من ساواك بشئ من خلقك فقد عدل بك والعادل بك كافر بما تنزلت به محكمات آياتك، ونطقت عنه شواهد حجج بيناتك، وإنك أنت الله الذي لم تتناه في العقول فتكون في مهب فكرها مكيفا، ولا في رويات خواطرها فتكون محدودا مصرفا (6).