فلم يهن ما بناه، ولا ضعف ما قواه، هو الظاهر عليها بسلطانه وعظمته، وهو الباطن لها بعلمه ومعرفته، والعالي على كل شئ منها بجلاله وعزته، لا يعجزه شئ منها طلبه، ولا يمتنع عليه فيغلبه، ولا يفوته السريع منها فيسبقه، ولا يحتاج إلى ذي مال فيرزقه، خضعت الأشياء له، وذلت مستكينة لعظمته، لا تستطيع الهرب من سلطانه إلى غيره فتمتنع من نفعه وضره، ولا كفء له فيكافيه، ولا نظير له فيساويه وهو المفني لها بعد وجودها، حتى يصير موجودها كمفقودها، وليس فناء الدنيا بعد ابتداعها بأعجب من إنشائها واختراعها، وكيف ولو اجتمع جميع حيوانها من طيرها وبهائمها وما كان من مراحها وسائمها وأصناف أسناخها (1) وأجناسها ومتبلدة أممها وأكياسها (2) على إحداث بعوضة ما قدرت على إحداثها، ولا عرفت كيف السبيل إلى إيجادها ولتحيرت عقولها في علم ذلك، وتاهت (3) وعجزت قواها و تناهت، ورجعت خاسئة حسيرة (4) عارفة بأنها مقهورة، مقرة بالعجز عن إنشائها مذعنة بالضعف عن إفنائها.
وأنه سبحانه يعود بعد فناء الدنيا وحده، لا شئ معه كما كان قبل ابتدائها كذلك يكون بعد فنائها، بلا وقت ولا مكان، ولا حين ولا زمان، عدمت عند ذلك الآجال والأوقات، وزالت السنون والساعات، فلا شئ إلا [الله] الواحد القهار الذي إليه مصير جميع الأمور بلا قدرة منها كان ابتداء خلقها، وبغير امتناع منها كان فناؤها، ولو قدرت على الامتناع لدام بقاؤها، لم يتكأده صنع شئ منها إذ صنعه، ولم يؤده منها خلق ما برأه وخلقه، ولم يكونها لتشديد سلطان، ولا لخوف من زوال