إنما مثل من أبصر الدنيا كمثل قوم سفر نبا بهم منزل جدب فأموا منزلا خصيبا فاحتملوا وعثاء الطريق (1) وفراق الصديق، وخشونة السفر في الطعام والمنام ليأتوا سعة دارهم ومنزل قرارهم فليس يجدون لشئ من ذلك ألما ولا يرون لنفقته معزما ولا شئ أحب إليهم مما يقر بهم من منزلهم، ومثل من اغتر بها كقوم كانوا في منزل خصيب فنبا بهم إلى منزل جدب فليس شئ أكره إليهم، ولا أهول لديهم من مفارقة ما هم فيه إلى ما يهجمون عليه، ويصيرون إليه، ثم فزعتك بأنواع الجهالات لئلا تعد نفسك عالما فان العالم من عرف أن ما يعلم فيما لا يعلم قليل فعد نفسه بذلك جاهلا وازداد بما عرف من ذلك في طلب العلم اجتهادا فما يزال للعلم طالبا وفيه راغبا، وله مستفيدا، ولأهله خاشعا، ولرأيه متهما، وللصمت لازما، وللخطأ جاحدا، ومنه مستحييا وإن ورد عليه ما لا يعرف لا ينكر ذلك لما قد قدر به نفسه من الجهالة، وأن الجاهل من عد نفسه بما جهل من معرفة العلم عالما وبرأيه مكتفيا فما يزال من العلماء مباعدا، وعليهم زاريا، ولمن خالفه مخطيا، ولما لم يعرف من الأمور مضللا، وإذا ورد عليه من الامر ما لا يعرفه أنكره وكذب به، وقال بجهالته ما أعرف هذا، وما أراه كان، وما أظن أن يكون وأنى كان، ولا أعرف ذلك لثقته برأيه، وقلة معرفته بجهالته فما ينفك مما يرى فيما يلتبس عليه رأيه، ومما لا يعرف للجهل مستفيدا، وللحق منكرا، وفي اللجاجة متجريا، وعن طلب العلم مستكبرا.
يا بني تفهم وصيتي واجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك وأحب لغيرك ما تحب لنفسك، وأكره له ما تكره لها، لا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك، واستقبح لنفسك ما تستقبحه من غيرك، وارض من الناس ما ترضى لهم منك، ولا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كلما علمت مما لا تحب أن