من شئ إلا قبلته، فبادر بالأدب قبل أن يقسو قلبك ويشتغل لبك، وتستقبل بجد رأيك من الامر ما قد كفاك أهل التجارب بغيته وتجربته (1) فتكون قد كفيت مؤونة الطلب، وعوفيت من علاج التجربة، فأتاك من ذلك ما كنا نأتيه، واستبان لك منها ما ربما أظلم علينا فيه (2).
يا بني إني وإن لم أكن قد عمرت عمر من كان قبلي، فقد نظرت في أعمارهم، و فكرت في أخبارهم، وسرت في آثارهم حتى عدت كأحدهم، بل كأني بما انتهى إلي من أمورهم قد عمرت مع أولهم إلى آخرهم، فعرفت صفو ذلك من كدره، ونفعه من ضرره، واستخلصت لك من كل أمر نخيله، وتوخيت لك جميله (3) وصرفت عنك مجهوله، ورأيت حيث عناني من أمرك ما يعني الوالد الشفيق، وأجمعت عليه (4) من أدبك أن يكون ذلك وأنت مقبل العمر مقبل الدهر، ذو نية سليمة، ونفس صافية، و أن ابتدأك بتعليم كتاب الله عز وجل وتأويله وشرايع الاسلام وأحكامه وحلاله وحرامه لا أجاوز بك ذلك إلى غيره، ثم أشفقت أن يلتبس ما اختلف الناس فيه من أهوائهم و آرائهم مثل الذي التبس عليهم وكان إحكام ذلك لك على ما كرهت من تنبيهك له أحب إلى من إسلامك إلى أمر لا آمن عليك فيه الهلكة (5) ورجوت أن يوفقك الله فيه لرشدك