والبرد والطل والصقيع في أكثر الامر يكون من تكاثف البخار، وفي الأقل من تكاثف الهواء، أما الأول فالبخار الصاعد إن كان قليلا وكان في الهواء من الحرارة ما يحلل ذلك البخار فحينئذ ينحل وينقلب هواء، وأما إن كان البخار كثيرا ولم يكن في الهواء من الحرارة ما يحلله فتلك الأبخرة المتصاعدة إما أن تبلغ في صعودها إلى الطبقة الباردة من الهواء أو لا تبلغ، فإن بلغت فإما أن يكون البرد قويا أو لا يكون، فإن لم يكن البرد هناك قويا تكاثف ذلك البخار بذلك القدر من البرد واجتمع وتقاطر، فالبخار المجتمع هو السحاب والمتقاطر هو المطر، والديمة والوابل إنما يكون من أمثال هذه الغيوم، وأما إن كان البرد شديدا فلا يخلو إما أن يصل البرد إلى الاجزاء البخارية قبل اجتماعها وانحلالها أو بعد صيرورتها كذلك، فإن كان على الوجه الأول نزل ثلجا، وإن كان على الوجه الثاني نزل بردا، وأما إذا لم تبلغ الأبخرة إلى الطبقة الباردة فهي إما أن تكون قليلة أو تكون كثيرة، فإن كانت كثيرة فهي تنعقد سحابا ماطرا وقد لا تنعقد، أما الأول فذاك لاحد أسباب خاصة: أولها إذا منع هبوب الرياح عن تصاعد تلك الأبخرة وثانيها أن تكون الرياح ضاغطة لها إلى اجتماع بسبب وقوف جبال قدام الريح وثالثها أن تكون هناك رياح متقابلة متصادفة فتمنع صعود الأبخرة حينئذ ورابعها أن يعرض للجزء المتقدم وقوف لثقله وبطء حركته ثم تلتصق به سائر الأجزاء الكثيرة المدد وخامسها لشدة برد الهواء القريب من الأرض فقد يشاهد البخار يصعد في الجبال صعودا يسيرا حتى كأنه مكبة موضوعة على وهدة ويكون الناظر إليها فوق تلك الغمامة، والذين يكونون تحت الغمامة يمطرون والذين يكونون فوقها يكونون في الشمس، أما إذا كانت الأبخرة القليلة الارتفاع قليلة لطيفة فإذا ضربها برد الليل وكثفها وعقدها ما يكون محسوسا ونزول نزولا متفرقا لا يحس به إلا عند اجتماع شئ يعتد به، فإن لم يجمد كان طلا وإن جمد كان صقيعا، ونسبة الصقيع إلى الطل نسبة الثلج إلى المطر.
وإما أن يكون [السحاب] من انقباض الهواء، وذلك عندما يبرد الهواء و