قال الطبرسي - رحمه الله -: في هذا دلالة على أن الملائكة الموكلين بالنار معصومون عن القبائح لا يخالفون الله في أوامره ونواهيه، وقال الجبائي: إنما عنى أنهم لا يعصونه ويفعلون ما يأمرهم به في دار الدنيا، لان الآخرة ليست بدار تكليف، وإنما هي دار جزاء [المؤمنين] وإنما أمرهم الله تعالى بتعذيب أهل النار على وجه الثواب لهم بأن جعل سرورهم ولذاتهم في تعذيب أهل النار، كما جعل سرورهم (1) ولذاتهم في الجنة (2) (انتهى).
وأقول: كون الآخرة دار جزاء الملائكة غير معلوم، وإنما المعلوم أنها دار جزاء الانس، فلا ينافي كون الملائكة مكلفين فيها، بل يمكن أن يكون جزاؤهم مقارنا لأفعالهم من حصول اللذات الحقيقية، ورفع الدرجات الصورية والمعنوية، بل أصل خدماتهم وجزاؤهم كما ورد أن طعامهم التسبيح وشرابهم التقديس. وقال الشيخ المفيد - رحمه الله - في كتاب المقالات: أقول: إن الملائكة مكلفون وموعودون ومتوعدون، قال الله تبارك وتعالى " ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين " وأقول: إنهم معصومون مما يوجب لهم العقاب بالنار، وعلى هذا القول جمهور الامامية وسائر المعتزلة و أكثر المرجئة وجماعة من أصحاب الحديث، وقد أنكر قوم من الامامية أن تكون الملائكة مكلفين، وزعموا أنهم إلى الاعمال مضطرون، ووافقهم على ذلك جماعة من أصحاب الحديث.
1 - العلل: عن محمد بن علي بن بشار القزويني، عن المظفر بن أحمد القزويني قال: سمعت أبا الحسين محمد بن جعفر الأسدي الكوفي، يقول في سهيل والزهرة:
[إنهما] دابتان من دواب البحر المطيف بالدنيا في موضع لا تبلغه سفينة، ولا تعمل فيه حيلة، وهما المسخان المذكوران في أصناف المسوخ، ويغلط من يزعم أنهما