مما (1) عدله عنهم من صنع خلقه، وما طبعهم عليه من الطاعة، وعصمهم به من الذنوب. قال: فأوحى الله إلى الملائكة أن انتدبوا (2) منكم ملكين حتى أهبطهما إلى الأرض ثم أجعل فيهما من طبائع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلته في ولد آدم، ثم أختبرهما في الطاعة لي قال: فندبوا لذلك هاروت وماروت، وكانا أشد (3) الملائكة قولا في العيب لولد آدم واستئثار غضب الله عليهم. قال: فأوحى الله إليهما أن اهبطا إلى الأرض، فقد جعلت فيكما من طبائع المطعم والمشرب والشهوة والحرص والأمل مثل ما جعلت في ولد آدم. قال:
ثم أوحى الله إليهما انظرا أن لا تشركا بي شيئا، ولا تقتلا النفس التي حرم الله، ولا تزنيا، ولا تشربا الخمر، قال: ثم كشط عن السماوات السبع ليريهما قدرته، ثم أهبطهما إلى الأرض في صورة البشر ولباسهم، فهبطا ناحية بابل، فرفع لهما بناء مشرف (4) فأقبلا نحوه، فإذا بحضرته امرأة جميلة حسناء مزينة معطرة [مسفرة] مقبلة نحوهما، قال: فلما نظرا إليها وناطقاها وتأملاها وقعت في قلوبهما موقعا شديدا لموضع الشهوة التي جعلت فيهما، فرجعا إليها رجوع فتنة وخذلان وراوداها عن نفسها. فقالت لهما: إن لي دينا أدين به، وليس أقدر في ديني على أن أجيبكما إلى ما تريدان إلا أن تدخلا في ديني الذي أدين به، فقالا لها: وما دينك؟ قالت:
لي إله من عبده وسجد له كان لي السبيل إلى أن أجيبه إلى كل ما سألني، فقالا لها: وما إلهك؟ قالت: إلهي هذا الصنم، قال: فنظر أحدهما إلى صاحبه، فقال:
هاتان خصلتان مما نهينا عنهما: الشرك، والزنا، لأنا إن سجدنا لهذا الصنم و عبدناه أشركنا بالله، وإنما نشرك بالله لنصل إلى الزنا، وهو ذا نحن نطلب الزنا فليس نعطى إلا بالشرك. قال: فائتمرا بينهما، فغلبتهما الشهوة التي جعلت فيهما