" ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض " قال البيضاوي: أي ينقاد انقيادا يعم الانقياد لإرادته وتأثيره طبعا، والانقياد لتكليفه وأمره طوعا، ليصح إسناده إلى عامة أهل السماوات والأرض، وقوله " من دابة " بيان لهما، لان الدبيب هو الحركة الجسمانية، سواء كان في أرض أو سماء، والملائكة عطف على المبين به عطف جبرئيل على الملائكة للتعظيم، أو عطف المجردات على الجسمانيات، وبه احتج من قال: إن الملائكة أرواح مجردة، أو بيان لما في الأرض والملائكة تكرير لما في السماوات، وتعيين له إجلالا وتعظيما، والمراد بهما ملائكتهما من الحفظة و غيرهم، و " ما " لما استعمل للعقلاء كما استعمل لغيرهم كان استعماله حيث اجتمع القبيلان أولى من إطلاق " من " تغليبا للعقلاء " وهم لا يستكبرون عن عبادته يخافون ربهم من فوقهم " يخافون أن يرسل عذابا من فوقهم أو يخافونه وهم فوقهم بالقهر وقوله (1) " وهو القاهر فوق عباده " والجملة حال من الضمير في " لا يستكبرون " أو بيان له وتقرير، لان من خاف الله لم يستكبر عن عبادته " ويفعلون ما يؤمرون " من الطاعة والتدبير، وفيه دليل على أن الملائكة مكلفون مدارون بين الخوف والرجاء. (2) وقال في قوله " وما نتنزل إلا بأمر ربك " حكاية قول جبرئيل حين استبطأه رسول الله صلى الله عليه وآله لما سئل عن أصحاب الكهف وذي القرنين والروح ولم يدر ما يجيب ورجا أن يوحى إليه فيه، فأبطأ عليه خمسة عشر يوما وقيل أربعين، حتى قال المشركون: ودعه ربه وقلاه، ثم نزل تبيان ذلك، والتنزل النزول على مهل، لأنه مطاوع نزل، وقد يطلق بمعنى النزول مطلقا كما يطلق نزل بمعنى أنزل والمعنى: وما ننزل وقتا غب وقت إلا بأمر الله تعالى على ما تقتضيه حكمته " له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك " وهو ما نحن فيه من الأماكن والأحايين لا تنتقل (3) من مكان إلى مكان أو لا تنزل (4) في زمان دون زمان إلا بأمره ومشيته
(٣١٣)