مركب من كل تلك الألوان.
وثالثها أن النفس إذا كانت مشغولة بشئ فربما حضر عند الحس شئ آخر فلا يشعر الحس به البتة، كما أن الانسان عند دخوله على السلطان قد يلقاه انسان (1) ويتكلم معه فلا يعرفه ولا يفهم كلامه، لما أن قلبه مشغول بشئ آخر وكذا الناظر في المرآة فإنه ربما قصد أن يرى قذاة في عينه فيراها ولا يرى ما هو أكثر (2) منها إن كان بوجهه أثر أو بجبهته أو بسائر أعضائه التي تقابل المرآة وربما قصد أن يرى سطح المرآة هل هو مستوأم لا فلا يرى شيئا مما في المرآة إذا عرفت هذه المقدمات سهل عند ذلك تصور كيفية هذا النوع من السحر، وذلك لان المشعبذ الحاذق يظهر عمل شئ يشغل أذهان الناظرين به ويأخذ عيونهم إليه حتى إذا استفز عنهم (3) الشغل بذلك الشئ والتحديق نحوه عمل شيئا آخر عملا بسرعة شديدة، فيبقى ذلك العمل خفيا لتعلمون (4) الشيئين أحدهما اشتغالهم بالأمر الأول، والثاني سرعة الاتيان بهذا العمل الثاني، وحينئذ يظهر لهم شئ آخر غير ما انتظروه، فيتعجبون منه جدا، ولو أنه سكت ولم يتكلم بما يصرف الخواطر إلى ضد ما يريد أن يعمل ولم تتحرك النفوس والأوهام إلى غير ما يريد اخراجه لفطن الناظرون لكل ما يفعله. فهذا هو المراد من قولهم إن المشعبذ يأخذ بالعيون لأنه بالحقيقة يأخذ بالعيون إلى غير الجهة التي يحتال، وكلما كان أخذه للعيون والخواطر وجذبه لها إلى سواء (5) مقصوده أقوى كان أحذق في عمله، وكلما كانت الأحوال التي تفيد حس البصر نوعا من أنواع الخلل أشد كان هذا العمل أحسن مثل أن يجلس المشعبذ في موضع مضئ جدا، فإن الضوء الشديد يفيد البصر كلالا