الفن الواحد يكون أقوى من ذي الفنين، ومن حاول الوقوف على حقيقة مسألة من المسائل فإنه حال تفكره فيها لابد وأن يفرغ خاطره عما عداه (1) فإنه عند تفريغ الخاطر يتوجه الخاطر بكليته إليه، فيكون الفعل أسهل وأحسن، وإذا كان كذلك، فإذا كان الانسان مشغول الهم والهمة بقضاء اللذات وتحصيل الشهوات كانت القوة النفسانية مشغولة بها مستغرقة فيها، فلا يكون انجذابها إلى تحصيل الفعل الغريب الذي يحاوله انجذابا قويا، لا سيما وهنا آفة أخرى، وهي أن مثل هذه النفس اعتادت الاشتغال باللذات من أول أمرها إلى آخره ولم تشتغل قط باستحداث هذه الأفعال الغريبة، فهي بالطبع حنون إلى الأول عزوف للثاني (2) فإذا وجدت مطلوبها من النمط الأول فأنى تلتفت إلى الجانب الآخر؟ فقد ظهر من هذا أن مزاولة هذه الاعمال لا تتأتى إلا مع التجرد عن الأحوال الجسمانية وترك مخالطه الخلق والاقبال بالكلية على عالم الصفا والأرواح، وأما الرقي فإن كانت معلومة فالامر فيها ظاهر، لان الغرض منها أن حس البصر كما شغلناه بالأمور المناسبة لذلك الغرض فحس السمع نشغله أيضا بالأمور المناسبة لذلك الغرض، فإن الحواس متى تطابقت نحو (3) التوجه إلى الغرض الواحد كان توجه النفس إليه حينئذ أقوى، وأما إذا كانت بألفاظ غير معلومة حصلت للنفس هناك حالة شبيهة بالحيرة والدهشة (4) ويحصل للنفس في أثناء ذلك انقطاع عن المحسوسات وإقبال على ذلك الفعل، وجد عظيم، فيقوى التأثير النفساني، فيحصل الغرض.
وهكذا القول في الدخن، قالوا: فقد ثبت أن هذا القدر من القوة النفسانية مستقل