قلنا الامتداد في الجهات والشغل للأحياز صفة من صفاتها ولازم من لوازمها ولا بعد أن تكون الأشياء المختلفة في الماهية مشتركة في بعض اللوازم، سلمنا أنه يجب أن يكون قادرا بالقدرة، فلم قلتم إن القادر بالقدرة لا يصح منه خلق الجسم والحياة؟ قوله " لان القدرة التي لنا مشتركة في هذا الامتناع، فهذا الامتناع حكم مشترك، فلا بد له من علة مشتركة، ولا مشترك سوى كوننا قادرين بالقدرة " قلنا: هذه المقدمات بأسرها ممنوعة، فلا نسلم أن الامتناع حكم معلل، وذلك لان الامتناع عدمي، والعدمي لا يعلل. سلمنا أنه أمر وجودي، ولكن من مذهبهم أن كثيرا من الاحكام لا يعلل، فلم لا يجوز أن يكون ههنا كذلك؟ سلمنا أنه معلل، فلم قلتم: إن الحكم المشترك لابد له من علة مشتركة، أليس أن القبح حصل في الظلم معللا بكونه ظلما وفي الكذب بكونه كذبا وفي الجهل بكونه جهلا؟ سلمنا أنه لا بد من علة مشتركة، لكن لا نسلم أنه لا مشترك إلا كوننا قادرين بالقدرة، فلم لا يجوز أن تكون هذه القدرة التي لنا مشتركة في وصف معين وتلك القدرة التي تصلح لخلق الجسم تكون خارجة عن ذلك الوصف، فما الدليل على أن الامر ليس كذلك؟
أما الوجه الثاني وهو أنه ليست مخالفة تلك القدرة لبعض هذه القدرة أشد من مخالفة بعض هذه القدرة للبعض، فنقول: هذا أضعف (1)، لأنا لا نعلل صلاحيتها لخلق الجسم بكونها مخالفة لهذه القدرة، بل لخصوصيتها المعينة التي لأجلها خالفت سائر القدر، وتلك الخصوصية معلوم أنها غير حاصلة في سائر القدر ونظير ما ذكروه أن يقال: ليست مخالفة الصوت للبياض أشد من مخالفة السواد للبياض، فلو كانت تلك المخالفة مانعة للصوت من صحة أن يرى لوجب لكون السواد مخالفا للبياض أن يمتنع رؤيته، ولما كان هذا الكلام فاسدا فكذا ما قالوه والعجب من القاضي أنه لما حكى هذه الوجوه عن الأشعرية في مسألة الرؤية زيفها بهذه الأسئلة، ثم إنه نفسه تمسك بها في هذه المسألة التي هي الأصل في