في العرض، فاشتد غضب الملك وقفز من مرقده قفزة اضطرارية لما ناله من شدة ذلك الكلام، فزالت تلك العلة المزمنة والمرضة المهلكة! وإذا جاز كون التصورات مبادئ لحدوث الحوادث في البدن فأي استبعاد من كونها مبادئ لحدوث الحوادث خارج البدن. وسابعها أن الإصابة بالعين أمر قد اتفق عليها العقلاء، وذلك أيضا يحقق إمكان ما قلناه.
إذا عرفت هذا فنقول: النفوس التي تفعل هذه الأفاعيل قد تكون قوية جدا فتستغني في هذه الأفعال عن الاستعانة بالآلات والأدوات، وقد تكون ضعيفة فتحتاج إلى الاستعانة بهذه، وتحقيقه أن النفس إذا كانت قوية مستعلية على البدن شديدة الانجذاب إلى عالم السماوات كانت كأنها روح من الأرواح السماوية فكانت قوية على التأثير في مواد هذا العالم، أما إذا كانت ضعيفة شديدة التعلق بهذه اللذات البدنية فحينئذ لا يكون لها تصرف البتة إلا في هذا البدن، فإذا أراد هذا الانسان صيرورتها بحيث يتعدى تأثيرها من بدنها إلى بدن آخر اتخذ تمثال ذلك الغير، ووضعه عند الحس ليشتغل الحس به، فيتبعه الخيال عليه، وأقبلت النفس الناطقة عليه، فقويت التأثيرات النفسانية والتصرفات الروحانية، ولذلك اجتمعت الأمم على أنه لابد لمزاول هذه الاعمال من الانقطاع عن المألوفات والمشتهيات وتقليله الغذاء والانقطاع عن مخاطبة (1) القلب، فكلما كانت هذه الأمور أتم كان ذلك التأثير أقوى، فإذا اتفق أن كانت النفس مناسبة لهذا الامر نظرا إلى ماهيتها وخاصيتها عظم التأثير. والسبب اللمي (2) فيه أن النفس إذا اشتغلت بالجانب الواحد استعملت جميع قوتها في ذلك الفعل، وإذا اشتغلت بالأفعال الكثيرة تفرقت قوتها وتوزعت على تلك الأفعال، فتصل إلى كل واحد من تلك الأفعال شعبة من تلك القوة، وجدول من ذلك النهر، ولذلك ترى أن إنسانين يستويان في قوة الخاطر إذا اشتغل أحدهما بصناعة واحدة واشتغل الآخر بصناعتين، فإن ذا