تعلم أن بعد الغي رشدا * وأن لتانك الغمر انقشاعا وقال كعب بن زهير:
تعلم رسول الله أنك مدركي * وإن وعيدا منك كالأخذ باليد ومعنى " تعلم " في البيتين معنى " أعلم " والذي يدل على أنه ههنا الاعلام لا التعليم قوله " وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر " أي إنهما لا يعرفان صفات السحر وكيفيته إلا بعد أن يقولا إنما نحن محنة، لان الفتنة بمعنى المحنة، من حيث ألقيا إلى المكلفين أمرا لينزجروا عنه وليتمتعوا من مواقعته، وهم إذا عرفوه أمكن أن يستعملوه ويرتكبوه، فقالا لمن يطلعانه على ذلك: لا تكفر باستعماله، ولا تعدل عن الغرض في إلقاء هذا إليك، فإنه إنما ألقي إليك واطلعت عليه لتجتنبه لا لتفعله. ثم قال " فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه " أي فيعرفون من جهتهما ما يستعملونه في هذا الباب وإن كان الملكان ما ألقياه إليهم لذلك، ولهذا قال " ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم " لأنهم لما قصدوا بتعلمه أن يفعلوه ويرتكبوه لا أن يجتنبوه صار ذلك بسوء اختيارهم ضررا عليهم.
وثانيها: أن يكون " ما أنزل " موضعه موضع جر، ويكون معطوفا بالواو على " ملك سليمان " أي: واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان وعلى ما أنزل على الملكين. ومعنى " ما أنزل على الملكين " (1) أي معهما وعلى ألسنتهما كما قال تعالى " ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك " أي على ألسنتهم ومعهم، وليس بمنكر أن يكون " ما أنزل " معطوفا على ملك سليمان وإن اعترض بينهما من الكلام ما اعترض، لان رد الشئ إلى نظيره وعطفه على ما هو أولى هو الواجب وإن اعترض بينهما ما ليس منهما، ولهذا نظائر في القرآن وكلام العرب كثيرة: قال الله تعالى " الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا قيما " (2)