بيان: أشكل على الناظرين في هذا الخبر حله من جهة أن حركتي زحل والمريخ الخاصتين غير متوافقتين ولا مطابقتين لحركة الشمس والفصول الحاصلة منها بوجه، ويخطر بالبال حل يمكن حمل الخبر عليه ليندفع الاشكال، وهو أن يكون حرارة أحد الكوكبين وبرودة الآخر بالخاصية لا بالكيفية من قبيل التأثيرات الناقصة التي تنسب إلى أوضاع الكواكب، ويكون لكل منهما تدوير، ويكون ارتفاع المريخ في تدويره إما مؤثرا ناقصا أو علامة لزيادة الحرارة ويكون ارتفاعه عند انحطاط زحل بحركة تدويره وانحطاطه مؤثرا ناقصا أو علامة لضعف البرودة فلذا يصير الهواء في الصيف حارا وفي الشتاء بعكس ذلك، ولم يدل دليل على امتناعه كما أنهم يقولون في القمر: إن قوته وارتفاعه مؤثر وعلامة لزيادة البرد والرطوبات، وقد أثبتوا أفلاكا كثيرة جزئية لكل من السيارات لضبط الحركات ومع ذلك يرد عليهم مالا يمكنهم حله فلا ضير في أن نثبت فلكا آخر لتصحيح الخبر المنسوب إلى الإمام عليه السلام.
قوله (فيجلو المريخ) كذا في أكثر نسخ الكافي، وهو إما من الجلاء بمعنى الخروج والمفارقة عن المكان، أي يأخذ في الارتفاع، أو من الجلاء بمعنى الوضوح والانكشاف، وفي بعض نسخه (فيعلو) في الموضعين، وفي كتاب النجوم (فيحلق) فيهما، ولهما وجه قريب. ولعل قوله عليه السلام (وأنا عبد رب العالمين) لحضور بعض الغلاة في ذلك المجلس، قال ذلك ردا عليهم، وقيل: أول الكلام مبني على زعم المنجمين من تأثير الكواكب، ورد ذلك آخر بقوله عليه السلام (هذا تقدير العزيز العليم) وحاصله أن المنجمين يعدون الشمس والمريخ حارين يابسين وزحل باردا يابسا، والقمر باردا رطبا، وغرضهم أن تأثيرها في السفليات كذلك، وتخصيص المريخ وزحل بالذكر لكونهما من العلوية وهي أشرف عندهم. والمراد بارتفاع مريخ وانحطاط زحل حسن حال الأول وسوء حال الثاني بزعمهم، إذ الشمس من أول الحمل كلما ازداد ارتفاعا في الآفاق المائلة الشمالية اشتد حرارة الهواء، فارتفع مانع تأثير المريخ وقوي تأثيره وضعف تأثير زحل، وكذا العكس.