بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٥ - الصفحة ١٤٥
أبي ذر الغفاري، قال: كنت آخذا بيد النبي صلى الله عليه وآله ونحن نتماشى جميعا، فما زلنا ننظر إلى الشمس حتى غابت، فقلت: يا رسول الله أين تغيب؟ قال: في السماء ثم ترفع من سماء إلى سماء حتى ترفع إلى السماء السابعة العليا حتى تكون تحت العرش، فتخر ساجدة فتسجد معها الملائكة الموكلون بها، ثم تقول: يا رب من أين تأمرني أن أطلع أمن مغربي أم من مطلعي؟ فذلك قوله عز وجل (والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم (1)) يعني بذلك صنع الرب العزيز في ملكه بخلقه. قال: فيأتيها جبرئيل بحلة ضوء من نور العرش على مقادير ساعات النهار في طوله في الصيف أو قصره في الشتاء أو ما بين ذلك في الخريف والربيع، قال:
فتلبس تلك الحلة كما يلبس أحدكم ثيابه. ثم تنطلق بها في جو السماء حتى تطلع من مطلعها. قال النبي صلى الله عليه وآله فكأني بها قد حبست مقدار ثلاث ليال ثم لا تكسي ضوء وتؤمر أن تطلع من مغربها، فذلك قوله عز وجل (إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت) والقمر كذلك من مطلعه ومجراه في أفق السماء ومغربه وارتفاعه إلى السماء السابعة ويسجد تحت العرش، وجبرئيل يأتيه بالحلة من نور الكرسي، فذلك قوله عز وجل (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا) قال أبو ذر ره ثم اعتزلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله فصلينا المغرب (2).

(١) يس: ٣٨.
(2) التوحيد: 203. أقول: الظاهر أن مبنى البيان في هذا الخبر وأمثاله - على فرض الصدور - على التمثيل والإشارة إلى كيفية انقياد الشمس والقمر لامر الله تعالى، و إلى أن ضوء الشمس يفاض عليها تدريجا من مبدء وجودي عال ومصدر رباني شريف هو العرش وهو حلة تلبسها كما يلبس الناس ثيابهم، وفيه إشارة إلى أن سائر الكائنات أيضا تنال حظوظها الوجودية في كل آن من المبادئ العالية وهي عارية عندهم تسترد عند حينونة اجلها، ويكفى لسلبها عدم الاعطاء في الآن الثاني، كما أن الشمس والنجوم ستسلب ضوءها ولا تعطى حللها فتنكدر، قال العلامة المؤلف رحمه الله في شرح الخبر 14 من هذا الباب فهي - يعنى الشمس في كل آن باعتبار امكانها مسلوبة النور والصفات والوجود بحسب ذاتها وإنما تكتسب جميع ذلك من خالقها ومدبرها فهي في جميع الأوقات والأزمان تحت عرش الرحمن وقدرته متحيرة في امرها ساجدة خاضعة لربها - إلى أن قال - وإنما أو مات لك إلى بعض الاسرار ليمكنك فهم غوامض الاخبار (انتهى كلامه رفع مقامه) ولعل السر في الفرق بين نور الشمس ونور القمر بكون الأول من العرش والثاني من نور الكرسي ان الواسطة في القمر أكثر بواحدة من الشمس هي هي، كما أن نور الكرسي من نور العرش فتفطن. يبقى السؤال عن علة عدم بيان حقيقة حال الشمس والقمر في الطلوع والغروب وغيرهما من الأحوال، والجواب ان بيان حقيقة هذه الأمور وايضاحها يتوقف على مقدمات علمية وشرائط ذهنية يتعذر التفهيم بدونها ومن المعلوم عدم وجود تلك الشرائط في ذلك الزمان وغرض النبي والأئمة عليهم السلام من بيان الأمور التكوينية سوق الانسان إلى الجانب الربوبي: وهدايته إلى معرفة الله تعالى وصفاته وأسمائه بمعرفة آياته الآفاقية والأنفسية وإلا فتعليم الطبيعيات والفلكيات مما هو خارج عن شأن النبي وأوصيائه عليهم السلام.
(١٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 140 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 ... » »»
الفهرست