يكون إمساك الفاعل من إيجاده في بعض الأحوال أولى من إيجاده في بعض، وحتى يكون الصدور من الفاعل في بعض الأحوال أولى من صدوره في بعض، بل لو كان صدوره واجبا كان في جميع الأحوال. أولا صدوره كان في جميع الأحوال، فيلزم إما قدم الفعل أو عدمه بالمرة. وهذا بالحقيقة رد على من قال: إنما حدث في الوقت لأنه كان أصلح لوجوده أو كان ممكنا فيه، وتقييد العدم بالصريح احتراز عن العدم الحادث المسبوق بالمادة (انتهى كلامه).
والجواب: أنه لا شك أن جميع المعلولات قديمها وحديثها معدوم مطلق في مرتبة وجود العلة، فكيف تعلق الجعل بالممكنات دون الممتنعات؟ وكيف تعلق بالقديم وهو معدوم مطلق في هذه المرتبة؟ وكيف تعلق الجعل بالقديم ولم يتعلق بالحوادث إلا بعد مدة غير متناهية؟ فالحق أن التميز العلمي في علمه تعالى كاف في الجميع، وإن كانت في الخارج معدومة صرفة، فهو سبحانه يعلم في ذاته الجميع ممكنها وممتنعها مطلقا، أو على بعض أنحاء الوجود، ويريد ما أراد منها على الوجه الذي تقتضيه الحكمة والمصلحة، وتؤثر القدرة على وفق الإرادة، فيوجد العادم على النظام الذي وجد بلا تغير في ذاته وصفاته الذاتية، وإنما التغير والتفاوت فيما عداه بالامكان والامتناع، والتقدم والتأخر، والصغر والكبر، إلى غير ذلك من وجوه التفاوت، ولا يمكن للعقول إدراك كنه تأثيراته وايجاداته تعالى شأنه، كما يستفاد من الخطب والاخبار المأثورة عن الأئمة الأطهار عليهم السلام، و السؤال بأنه لم لم يخلق العالم قبل هذا أو بعد ذاك، أو فوق الفضاء الذي هو الآن فيه أو تحته، أو يمينه أو يساره، أو قدامه أو خلفه، أو أصغر أو أكبر، أو المواد بحيث تقبل الاستعدادات على نحو آخر، فهو من هذر السؤال، وقد ظهر الفرق بين أزلية الامكان وإمكان الأزلية، وأن الامكان الذاتي من متممات ذات المعلول المحتاج، ومن مصححات المعلولية ومكملات الاحتياج إلى العلة على سبيل لوازم الماهية المعلولية وذاتياتها، وليس ملحوظا في طرف العلة التامة المفتقرة إليها، وقد مر ما يمكن استنباط أجوبة أخرى منه لهذه الشبهة فتفطن.