حتى نزلنا منزلا في الطريق يقال له وتقر (1) فنزلناه، وأمرت الغلمان أن يكفوا الإبل العلف، ويصنعوا طعاما، ففعلوا ونظرت إلى أبي موسى ومعه كوز من ماء وأخذ طريقه للوضوء وأنا أنظر، حتى هبط في وهدة (2) من الأرض، وأدرك الطعام فقال لي الغلمان: قد أدرك الطعام. قلت: اطلبوا أبا موسى فإنه أخذ في هذا الوجه يتوضأ، فطلبوه الغلمان، فلم يصيبوه، فأعطيت الله عهدا أن لا أبرح من الموضع الذي أنا فيه، ثلاثة أيام أطلبه، حتى أبلي إلى الله عذرا، فاكتريت الاعراب في طلبه وجعلت لمن جاء به عشرة آلاف درهم، فانطلق الاعراب في طلبه ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الرابع أتاني القوم، وأيسوا منه، فقالوا: يا عبد الله ما نرى صاحبك إلا وقد اختطف إن هذه بلاد محضورة فقد فيها غير واحد، ونحن نرى لك أن ترتحل منها، فلما قالوا لي هذه المقالة ارتحلت، حتى قدمنا الكوفة، وأخبرت أهله بقصته وخرجت من قابل، حتى دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال لي: يا شعيب لم آمرك أن تستوصي بأبي موسى البقال خيرا؟ قلت: بلى، ولكن ذهب حيث ذهب فقال:
رحم الله أبا موسى، لو رأيت منازل أبي موسى في الجنة لأقر الله عينك، كانت لأبي موسى درجة عند الله، لم يكن ينالها إلا بالذي ابتلي به.
بيان: قوله ما مشى على الأرض أي أحمله على مركوبي، أو على كتفي مبالغة في إكرامه.
ويقال أبلاه عذرا أي أداه إليه فقبله، قوله " إلا وقد اختطف " أي اختطفته الجن والشياطين، إن هذه بلاد محضورة أي تحضره الجن والشياطين يقال: مكان محتضر ومحضور أي تحضره الشياطين ويحتمل على بعد أن يكون المراد اختطاف السبع، وفي بعض النسخ محصورة بالصاد المهملة أي بلاد معلومة قليلة، سرنا فيها فلم نجده، والأول أظهر.